من المؤكد أن الرئيس المصرى محمد مرسى قد سجل رقماً قياسياً فى سرعة تحوله من بطل إلى شرير، فلم يمض سوى ثمانى واربعين ساعة على الثناء الذى تلقاه من قبل العالم بأسره على دبلوماسيته البارعة والجديرة بالثقة، حيث كان له الفضل فى التوصل إلى هدنة بين اسرائيل وغزة انهت اسبوعا من العنف المتصاعد بين الجانبين، وأوضح العديد من الاصوات المتفائلة ان هذه الخطوة قد مهدت لمصر نفوذاً جديداً ومعتدلاً فى المنطقة.
وفى غضون ساعات قليلة، تبددت كل هذه الآمال ولكن ليس لفشل الهدنة، رغم هشاشتها، ولكن السبب وراء سرعة تحول هذا التفاؤل إلى غضب داخل مصر وشعور اشبه باليأس من خارجها هو ذلك الاعلان الدستورى الذى أعلنه مرسي.
فى اطار ما يبدو انه محاولة خاطئة للاستفادة داخليا من الاشادات الدولية بموقفه الدبلوماسي، أصدر الرئيس المصرى مرسوما اعطى لنفسه بمقتضاه سلطات جديدة واسعة النطاق، وشمل النص بأن القرارات الرئاسية لا يمكن الغاؤها اى شخص بما فى ذلك القضاة، كما يتضمن المرسوم اقامة محاكمات جديدة لهؤلاء المتهمون بقتل الثوار خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وقد يكون الرئيس المخلوع حسنى مبارك ضمن هؤلاء المعرضون لمواجهة إجراءات قضائية جديدة.
واستقبلت تلك الخطوة التى اتخذها مرسى باعتراضات لا تعد ولا تحصى تشير إلى انها خاطئة، فقد وقف نقيب المحامين بمصر جنبا إلى جنب مع ابرز الشخصيات المعارضة للتنديد بالمرسوم الرئاسى ووصفوه بانه اعتداء غير مسبوق على استقلال القضاء، وفى جملة معبرة اتهم محمد البرادعى مرسى بتنصيب نفسه “فرعون مصر الجديد”، ووصف نقاد اخرون هذا المرسوم بانه “انقلاب على الشرعية”، ومن الصعب العثور على خطأ واحد فى اى من هذه التشبيهات.
وعاد المحتجون، يوم الجمعة الماضية، إلى شوارع القاهرة وحرقوا مقرات الاخوان المسلمين فى المدن المضطربة بالدلتا، وكان افضل شعار رفع وسط هذه الاحتجاجات «مرسى هو مبارك» الذى لم يلخص فقط الطبيعة القمعية لمرسوم الرئيس بل اشار ايضا إلى المخاطر الحقيقية التى يمثلها، واذا كان مرسى يعتقد انه بذلك يرسم الخطوط العريضة للحكم بهدف اسراع عملية انتقال الدولة إلى حقبة مدنية بعد مبارك كما اشارت بعض تصريحاته، فهو يرتكب خطئا فادحا.
فى ضوء الاشادة التى حظى بها مرسى عقب الاعلان عن هدنة غزة، كان من الممكن القاء نظرة سريعة على مصر الجديدة، مصر التى اتضح بها ان المخاوف المترسخة حيال طبيعة ونوايا الاخوان المسلمين لا اساس لها، مصر المستعدة والقادرة على لعب دور ايجابى والقيام بدور التهدئة فى منطقة غير مستقرة، مصر التى تعاملها قوى العالم بدءا من الولايات المتحدة كحليف بكل احترام، مصر التى انتخب رئيسها وسلطتها التشريعية فى المراحل المبكرة من صياغة الدستور، فقد كان ينظر إلى كل هذه التغييرات داخل وخارج مصر على انها ثمار الانتفاضة التى حدثت عام 2011.
ولكن مع هذا المرسوم الرئاسى نجد ان معظم هذه الايجابيات ان لم يكن جميعها انقلبت رأسا على عقب، فالشكوك حيال الاخوان المسلمين ونواياهم سوف تسود القلوب مرة اخري، ومن المؤكد ان موازين القوى قد انقلبت، واذا كان مرسى يريد لمصر ان تزدهر فعليه ان يعيد النظر فى هذا الاعلان الدستوري.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: صحيفة الاندبندنت








