مع انقسام منطقة اليورو إلى شمال مزدهر وجنوب محمل بالأزمات، حجزت النمسا لنفسها مكانا إلى جانب الدول التى تتمتع بثقة الأسواق المالية الدولية.
وعلى الرغم من أن وكالة «ستاندرد آند بورز» خفضت من تصنيفها الائتمانى أول العام من «AAA» إلى «+AA»، لم تتبعها فى ذلك «فيتش» و«موديز»، وتراجع العائد على الدين السيادى لأدنى مستوى على الإطلاق.
يذكر ان الاقتصاد النمساوى يتمتع بعدة نقاط قوة، من بينها وقوف نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى عند 74% أى أقل من المتوسط المحدد لمنطقة اليورو، وتذهب التوقعات إلى أن هذا العجز سينخفض لأدنى من 3% العام المقبل، ومعدل النمو ضعيف ولكنه إيجابي، وأن معدل البطالة هو الأقل فى الاتحاد الأوروبى عند 4.5%.
وصرح فريدريك موستبوك، مدير الأبحاث فى بنك «إرست جروب»، لجريدة الفاينانشال تايمز بأن وضع النمسا جيد نسبيا، وانه بالنظر إلى الصورة العالمية، لا تزال الدولة معرضة للمخاطر، وأن النمسا تعتمد فى الغالب على الصادرات وخلق الوظائف كما تفعل جارتها، ألمانيا.
وتعد المئات من الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة إما جزءاً من سلسلة التوريد للصناعة الألمانية أو أنها نجحت فى شق طريقها كأحد الرائدين العالميين فى أحد المجالات المتخصصة فى التصنيع والهندسة.
وأضاف موستبوك أن التباطؤ العالمى يضر بالنمسا ولكن ليس بقدر ألمانيا، وأن موقع الدولة فى وسط وشرق أوروبا بين دعامة أخرى للنمو والرخاء، فهى تقع بين دول مثل المجر وأوكرانيا اللتين تعانيان ولكن يتوقع لأدائهما الاقتصادى أن يكون أفضل من منطقة اليورو.
وأشار إلى أن أداء بورصة فيينا يعتمد فى الأساس على دول وسط وشرق أوروبا، وأن تكلفة الإنتاج فى دول مثل سلوفاكيا ورومانيا تعطى الشركات النمساوية ميزة تنافسية دولية.
أشار مدير الأبحاث فى «اريست جروب» إلى ان موقع النمسا المتميز ترتب عليه تحسنا ملحوظا فى أداء قطاع السياحة، بحيث أصبح الزائرون الجدد والأثرياء من وسط وشرق أوروبا الفئة الرئيسية المستهدفة التى تعوض حاليا نقص السياح من إيطاليا.
وأوضح انه على الرغم من أن التقلبات فى منطقة وسط وشرق أوروبا مازالت عامل المخاطر الرئيسى للاقتصاد النمساوى، إلا ان الركود فى جنوب أوروبا له تأثير ضئيل على النمسا.
وأظهرت دراسة حديثة قام بها معهد فيينا للدراسات المتقدمة أن تفكك منطقة اليورو سوف يكون له تأثير كارثى على الاقتصاد نتيجة شطب الديون المقدمة من خلال البنك المركزى الأوروبي، بينما التأثير على الصادرات سوف يكون محدودا.
وحذر الاقتصاديون من أن الاعتماد على الأسواق الأجنبية لن يجدى نفعاً على المدى الطويل، وينبغى على الدولة معالجة بعض نقاط الضعف الهيكلية لديها. وخلال السنوات السابقة، تراجع ترتيب النمسا فى العديد من تصنيفات التنافسية الدولية نتيجة المخاوف بشأن الضرائب المرتفعة وتدهور نظام التعليم العالى والتضييق فى سياسات الهجرة التى تحول دون قدوم المهارات الأجنبية للدولة.
وفى 2007، كان معدل الضريبة فى النمسا 43.7%، وهو أعلى معدل فى الاتحاد الأوروبي، ويأتى معظم العبء الضريبى من الضرائب المخصومة من المرتبات من اجل التأمين الصحى والمعاشات مما يضر بذوى الدخول المنخفضة بشدة، ومع ذلك لا يوجد فى الأفق أى نية لتخفيض هذه المدفوعات. ويعد التقاعد المبكر منتشرا فى النمسا وهو أحد الأعباء الرئيسية على الموازنة العامة، رغم اتخاذ الحكومة خطوات لرفع سن التقاعد، ولكنها كانت خطوات متواضعة لم يكن لها أثر كبير.
ومع ذلك يشيد موتسبوك بقوة آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة وجودة التعليم الفنى فى الجامعات، فضلاً عن تبنى القطاعين العام والخاص نظام تدريب يساعد على تخريج عمالة ماهرة عليها طلب قوى من الشركات المصدرة.
وعلى عكس دول منطقة اليورو، اتبعت النمسا سياسة مالية وضعتها على طريق تقشف معتدل، فهى تخطط لتخفيض بعض مستحقات المعاشات والضمان الاجتماعى وفى نفس الوقت سوف تفرض ضرائب جديدة على المكاسب الرأسمالية والأرباح من قطاع العقارات.
وتعتمد الدولة فى خطتها المالية طويلة المدى على إيرادات بقيمة مليار يورو نتيجة اتفاقية بينها وبين سويسرا ستفرض بموجبها ضرائب على الودائع غير المعلن عنها، بالإضافة إلى 500 مليون يورو أخرى من ضريبة المعاملات المالية التى يفكر العديد من دول الاتحاد الأوروبى فرضها اعتبارا من العام القادم.
اعداد – رحمة عبد العزيز