نجحت قوى المعارضة فى أول اختبار حقيقى لقدرتها على حشد الملايين منذ انتخاب رئيس إسلامى للجمهورية نهاية يونيو الماضى. ووجهت الجموع التى اكتظ بها ميدان التحرير والشوارع الرئيسية فى العاصمة رسالة تذكير للرئيس الذى فاز فى الانتخابات الرئاسية بفارق طفيف عن منافسه، أن الشعب لا يزال منقسماً وأن القدرة على الحشد والتظاهر لا تقتصر فقط على الإسلاميين المؤيدين عادة له، وتمكنت من ملء الميدان والمناطق المحيطة به بدون الإخوان والسلفيين لأول مرة منذ اندلاع الثورة.
وخرج مئات الألوف إلى الشوارع والميادين فى القاهرة وعدة محافظات لأول مرة اعتراضا على قرارات للرئيس المنتخب، واستعاد ميدان التحرير ذاكرته الثورية، عندما تحول إلى بؤرة للحشد والاحتجاج ضد الإعلان الدستورى الذى حصن قرارات الرئيس فى مواجهة القضاء ومنحه حق تقدير الظروف الداعية لفرض حالة الطوارئ، ومكنه من إقالة النائب العام السابق عبدالمجيد محمود.
وتعد تلك الاحتجاجات الحاشدة ذروة ما وصل اليه التصعيد ضد الإعلان الذى وحد قوى المعارضة المدنية بداية من يوم الجمعة الماضية، وطالب المحتجون بإسقاط الإعلان الدستورى الذى قالوا إنه يصنع من الرئيس فرعون.
وفشلت الجهود التى قامت بها رئاسة الجمهورية على مدار الأيام السابقة فى تهدئة المخاوف من صلاحيات الرئيس الجديدة التى لقيت ادانة دولية أيضاً، ولم يهتم المتظاهرون بالبيان الرئاسى الصادر أمس الأول بعد اجتماع الرئيس بالمجلس الأعلى للقضاء لنزع فتيل الأزمة، والذى شدد على أن الإعلان الدستورى مؤقت ويحصن فقط قرارات الرئيس المتعلقة بأعمال السيادة وليس كل القرارات الرئاسية.
وشهدت المنطقة المحيطة بميدان التحرير ـ أمس ـ سقوط قتيل واحد على الأقل، فيما وقعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وشباب الإخوان المسلمين فى كل من الاسكندرية والمحلة الكبرى، أسفرت عن عشرات الاصابات.
وذكرت مصادر بجماعة الإخوان أن أعضاء مكتب الارشاد وحزب الحرية والعدالة يعدون لمسيرات حاشدة تؤيد قرارات الرئيس، إلا انها لم تحدد توقيتاً معينا للتظاهر حتى الآن.
وفى تلك الاثناء أعلنت أحزاب وحركات عن نيتها العودة للميدان يوم الجمعة المقبلة اذا لم يتم إسقاط الإعلان الدستورى.
واستقبلت الجهات القضائية المختصة أكثر من 25 دعوى قضائية جديدة تطالب بحل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور والتى حصنها الإعلان الدستورى الأخير من الحل مع مجلس الشورى.
شارك فى مسيرات أمس التى انطلقت من أماكن مختلفة مجموعة من رموز المعارضة ومرشحين سابقين لانتخابات الرئاسة ومن بينهم محمد البرادعى وحمدين صباحى وعمرو موسى.
يأتى ذلك وسط توقعات باستمرار صعود سعر صرف الدولار أمام الجنيه، خاصة فى ظل الهبوط المتوقع لمؤشرات البورصة، والذى ربطه محللون بمدى سلمية المظاهرات وتطوراتها.
توقع محمد وجيه، مدير إدارة التداول فى شركة التوفيق المالية أن تتحرك البورصة فى نطاق عرضى اذا حافظت تظاهرات «التحرير» على سلميتها، إلا أن حدوث أى تطورات سلبية سيقود البورصة لكسر مستوى 5 آلاف نقطة بعنف إلى مستوى 4800 نقطة مستوى الدعم القادم على أقل تقدير.
على جانب آخر قال محمود سامى، رئيس حزب الكرامة لـ«البورصة» أن الحزب سيجتمع غداً فى مقره برؤساء الأحزاب وعلى رأسها الدكتور البرادعى وحمدين صباحى والدكتور محمد أبو الغار والمهندس أبو العلا ماضى، وعمرو موسى لطرح الخطوات التالية، مؤكدا استمرار الحزب فى الاعتصام بالميدان مع باقى الأحزاب والحركات السياسية.
وشهدت اغلبية نيابات الجمهورية تعليقاً للعمل لليوم الثالث، استجابة لقرارات الجمعية العمومية لنادى القضاة، حيث رفض أعضاء النيابات التأشير على المحاضر الواردة اليهم من أقسام الشرطة، فيما امتنعت المحاكم الاقتصادية ومحاكم الجنايات وبعض دوائر محاكم القضاء الإدارى عن عقد جلساتها.
من جهتها، تعقد الأحزاب والقوى الإسلامية بمشاركة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والنور اجتماعاً الأسبوع المقبل لتحديد ميعاد جديد لمليونية تأييد الإعلان المكمل الذى اصدره رئيس الجمهورية.
وعلى صعيد آخر، تنظر محكمة القضاء الإدارى 4 ديسمبر المقبل 25 دعوى قضائية مقامة من عدد من الحركات السياسية والثورية ضد الإعلان الدستورى الذى أصدره الدكتور محمد مرسى منذ أيام.
امتد نطاق التداعيات السلبية للقنبلة الدستورية التى فجرها رئيس الجمهورية الاسبوع الماضى إلى الخطة الأساسية لإنقاذ الاقتصاد المصرى، التى باتت مهددة بالفشل على خلفية الضغوط الدولية التى دخلت على خط الأزمة التى أشعلها توسيع رئيس الجمهورية لصلاحياته على حساب مؤسسة القضاء.
ولوحت جهات ومؤسسات دولية أمس إلى احتمالية استخدام المساعدات الاقتصادية التى وعدت بتقديمها لمصر مؤخرا، وهو ما يعنى عمليا القضاء على برنامج الاصلاح الاقتصادى القائم بشكل أساسى على المساعدات والقروض الخارجية.
وهدد الاتحاد الأوروبى بتقليص المساعدات التى سيمنحها لمصر إذا لم يتراجع الرئيس محمد مرسى عن الإعلان الدستورى، ونقلت وكالة الأنباء الألمانية دويتشة فيلة عن إلمار بروك، رئيس لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الأوروبى قوله أمس «إذا اختار مرسى طريق الديكتاتورية فسيتم ضخ أموال مساعدات أقل، هذا ما يتعين أن نوضحه له الآن».
وتشكل المساعدات الأوروبية جزءاً أساسياً من التدفقات المتوقعة من المقرضين الدوليين خلال العامين المقبلين، وكان الاتحاد قد أعلن الاسبوع الماضى عن تخصيصه مساعدات بقيمة 5 مليارات يورو لمساعدة الاقتصاد المصرى على تجاوز أزمته الحالية.
ويقدم الاتحاد الأوروبى مساعدات سنوية لمصر بموجب اتفاق الشراكة الموقع بين الجانبين، وبلغت هذه المساعدات 136 مليون دولار، ورفع قيمة مساعداته بعد الثورة.
وتعانى الحكومة أزمة تمويل طاحنة أجبرتها على البحث عن مصادر خارجية لتمويل العجز المنفلت فى الميزانية والمتوقع أن يتخطى 11% من الناتج المحلى للعام المالى الحالى.
ووفقا للبرنامج الاقتصادى المصاحب لقرض الصندوق تخطط الحكومة لاقتراض 14.5 مليار دولار خلال العامين الماليين الحالى والمقبل.
وعلق صندوق النقد الدولى موافقته النهائية على منح مصر قرضاً بقيمة 4.8 مليار دولار على عدم حدوث تغيير فى التوقعات الاقتصادية التى قدمتها الحكومة فى البرنامج الاقتصادى المصاحب للقرض. وتلقت «البورصة» رسالة عبر البريد الإلكترونى من وفاء عمرو متحدثة باسم صندوق النقد الدولى الذى وقع اتفاقاً مبدئياً مع الحكومة لإقراضها 4.8 مليار دولار، أن مجلس إدارة الصندوق سيشترط عدم حدوث أى تغير كبير فى التوقعات الاقتصادية والإجراءات عندما يبحث الموافقة على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار لمصر.
وتوصلت مصر إلى اتفاق مبدئى مع فريق من الصندوق بالقاهرة بشأن القرض فى وقت سابق هذا الشهر ومن المتوقع أن يجتمع المجلس للانتهاء من التسهيل فى 19 ديسمبر.
وقالت «مراجعة الاتفاق من جانب المجلس التنفيذى للصندوق ستتطلب عدم حدوث تغير كبير فى التوقعات الاقتصادية ولا فى الخطط التنفيذية».
ويتضمن البرنامج الاقتصادى خططا لخفض عجز الميزانية من مستوى 11% تقريبا خلال العام المالى الماضى إلى 8.5% فى السنة المالية التى تنتهى فى يونيو 2014.
وقالت وفاء عمرو: «يستند اتفاق الدعم المالى من الصندوق على سياسات اقتصادية واجتماعية تعتزم الحكومة تنفيذها فى اطار برنامجها»، مشيرة إلى الاتفاق المبدئى الذى تم التوصل إليه فى 20 من الشهر الحالي.
وأضافت أن تنفيذ تلك الخطط يشمل إقرار ميزانية معدلة لعام 2012-2013 وفقا للاجراءات المزمعة بشأن الضرائب والانفاق.
وفى نفس السياق، دعا العضو القوى فى الكونجرس الأمريكى السيناتور جون ماكين إدارة أوباما لسحب المساعدات الأمريكية للضغط على مرسى. وتبلغ المساعدات الاقتصادية الأمريكية 450 مليون دولار تتناقص سنويا، وجرى حديث عن مساعدات لمرة واحدة بقيم تراوحت بين 500 مليون ومليار دولار.
وأشارت وكالة بلومبرج إلى أن قرارات مرسى جاءت دون أى تلميح لوزيرة الخارجية الأمريكية التى اجتمعت معه قبل يوم من الإعلان لمناقشة وقف إطلاق النار بين غزة وحماس.
ونقلت بلومبرج عن أليكس فاتانكا، أستاذ فى معهد الشرق الأوسط، أن وضع مصر الاقتصادى غير المستقر قد يعطى القوى الغربية ميزة السيطرة على اتجاه مرسى.
وأضاف أن سحب المساعدات الأمريكية وحده لن يكون كافياً، بل يجب على البيت الأبيض العمل مع الحلفاء الآخرين مثل الاتحاد الأوروبى ودول الخليج وتركيا التأثير على مرسى.
وقال الدكتور محمد جودة، عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة إن الاعلان الدستورى الذى أصدره مرسى مؤخراً جاء لفرض الاستقرار والذى يعد شرطاً من شروط الصندوق لاقراض مصر.
وقال إن الاحداث السياسية الراهنة لن تؤثر على اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولى ، حيث ان الصندوق اطلع على جميع مؤشرات تعافى الاقتصاد المصرى فى الفترة القادمة ووافق عليها.
وأكد جودة انه لو تم الغاء الإعلان الدستورى ربما تقع مصر بالفعل فى حالة انهيار سياسى يتعبه انهيار اقتصادى، حيث إن المحكمة الدستورية كانت ستصدر فى اوائل الشهر الجارى احكاماً تتعلق بحل الجمعية التأسيسية والغاء الاعلان المكمل الذى عزل المجلس العسكرى وسلب منه سلطة التشريع وهذا ما كان سيؤدى إلى حالة من النزاع السياسى بين جميع التيارات وكان سيؤثر تبعا على الاستثمار.
كتب ـ محمود صلاح الدين ومصطفى صلاح ورحمة عبدالعزيز ووفاء عبد البارى ورغدة هلال
