بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
ظهر السبت الماضى كنت أقف فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز بالمهندسين لمتابعة مسيرة التيار الإسلامى المنطلقة من مسجد مصطفى محمود فى طريقها إلى جامعة القاهرة وميدان نهضة مصر.
أحد المتظاهرين اندفع نحوى متجهما وسألنى بتهكم: لماذا تحتجب صحفكم يوما واحدا، لماذا لا تحتجبون دائما وتريحونا من أشكالكم وكتابتكم؟!
لم انفعل أو أغضب وقلت له: «جريدتنا يا سيدى على سبيل المثال هى أكثر جريدة دافعت عن تياركم وسائر التيارات السياسية التى تعرضت للاضطهاد والقمع أثناء حكم مبارك، ودفعنا ثمنا فادحا لذلك وصل إلى حد مهاجمة المقر وتعطيل مشروعات، ناهيك عن التهديدات».
متظاهر آخر سمع المناقشة كان أكثر عقلانية من الأول واعتبرنا جريدة موضوعية تنصف الجميع.
المشكلة أن رأى المتظاهر الأول لم يعد فرديا، صار أقرب إلى الظاهرة، ينتشر كالنار فى الهشيم، وسمعنا البعض يهتف فى الإسكندرية مطالبا رئيس الجمهورية بفرم المعارضين، وتطهير الإعلام.
مرة أخرى هناك بؤر فساد كثيرة فى الإعلام وتحتاج فعلا للتطهير، لكن المشكلة الأخطر أن تيارا واسعا داخل المعسكر الإسلامى قرر أن يريح نفسه من أى مسئولية عن التقصير ووجد شماعة جاهزة يلقى عليها كل مشاكله اسمها الإعلام.
بعض الاخوة فى «الحرية والعدالة» يتهمون اصحاب الصحف المحتجبة بأنهم رجال أعمال مبارك ــ غريبة ــ إذا كان لديكم اتهامات ضدهم فحاكموهم، ولا تنسوا ان غالبية رجال عمال مبارك لايزالون يركبون طائرة الرئيس مرسى فى رحلاته الخارجية إلى الآن.
لو أن المشكلة فقط فى الإعلام لطلبنا من الرئيس مرسى أن يستغل سلطاته الكاسحة حاليا ويصدر فرمانا بإغلاق كل وسائل الإعلام لنستريح من كل مشاكلنا، لكن المفاجأة أن الأمر ليس كذلك.
لو اختفت كل وسائل الإعلام الآن ــ كما يحلم بعض المتطرفين ــ فإن أزمة القضاة لن يتم حلها، لأن جوهرها تسلط سلطة على أخرى، كذلك الحال مع مشكلة زيادة الاسعار او انقطاع الكهرباء، مشكلة الوقود أيضا لن يتم حلها، فالإعلام لم يخترعها بل سببها تقاعس الأجهزة عن كشف مافيا الوقود، وعدم وجود اعتمادات مالية كافية لدفعها نقدا إلى الموردين.
لو اختفى الإعلام، فلن تحل مشاكل التعليم والصحة المتدهورة، بل ربما تتفاقم، لأن الإعلام هو الذى يكشفها.
الإعلام لم يقتل الجنود الأبرياء فى شهر رمضان الماضى، بل هو من حاول كشف القتلة المتطرفين.
ثم هل نسينا أن الإعلام المصرى الشجاع هو الذى لعب دورا محوريا فى التمهيد للثورة والدفاع عنها، هو الذى فضح فساد رموز نظام مبارك فى عز قوته، ولولا «الشروق» و«المصرى اليوم» و «العربى»، وبرامج حوارية جريئة فى قناتى دريم والمحور وغيرها ما حدث التراكم المعلوماتى لأولئك الذين ثاروا على نظام مبارك.
هذه الصحف والفضائيات التى تتعرض لهجوم كاسح هذه الأيام من بعض المتطرفين هى التى فتحت صفحاتها لرموز الإخوان عندما كان ذلك جريمة فى عهد مبارك.. فهل يكون جزاؤها الآن هو التهديد بالإغلاق؟!
مطاردة وسائل الإعلام الآن وتهديدها طوال الوقت قد يرعب بعضها قليلا وقد يجعلها تصمت أحيانا، لكن لن يفيد النظام فى شىء، قد يؤجل كشف مشاكله وأزماته، لكن ذلك لن يدوم إلى الأبد.
وسائل الإعلام الجريئة هى سلاح باتر لمصلحة أى نظام يريد فعلا محاربة الفساد والاستبداد، هى الكاشف الأول لبؤر الفساد الصغيرة قبل تحولها إلى سرطان.
يا أيها الذين تخططون الآن للإغارة على وسائل الإعلام: تريثوا قليلا.. لو كانت لديكم وثائق ومستندات عن تأمر بعض وسائل الإعلام ضدكم فاذهبوا بها فورا إلى النائب العام الجديد، لكن رجاء توقفوا عن هذه الحرب النفسية.. فقد استخدمها كثيرون من قبلكم وفشلت.








