بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
ومن الأحلام ما يتحقق.. فقد حلمت مرارا أن أدخل مسرح البولشوى فى العاصمة الروسية موسكو.. وفى تمام السابعة مساء الخميس الماضى كنت جالسا فى أفضل مكان ممكن بالمسرح لمشاهدة أوبريت «إيفجين وأونجين» المأخوذ عن أوبرا من تأليف تشايكوفسكى.
فى هذا المكان المهيب كنت برفقة وزير الخارجية محمد كامل عمرو ومساعد الوزير للشئون العربية والشرق الأوسط ناصر كامل وسفيرنا فى موسكو محمود الديب ونخبة متميزة من شباب سفارتنا هناك.
كلمة «البولشوى» (BOLSHOI) تعنى بالروسية «الكبير» ولذلك فالكلمة تعد تمييزا للمسرح عن المسارح الأخرى.
وبجانب هذا المسرح الكبير المخصص للأوبرا أو الأوبريت هناك مسرح آخر مجاور له تماما أصغر قليلا، لكنه أكبر إذا قورن بمعظم المسارح الكبرى فى دول كثيرة.. احترام قواعد المسرح صارمة، وتدفع الجميع لاحترامه، لا يمكنك الدخول إذا تأخرت ولو ربع دقيقة عن موعد العرض، الصمت سيد الموقف وبالطبع ليس واردا بالمرة أن تجد من يصحب معه ساندوتشات أو فشارًا أو ما شابه.
كنت أعتقد أن الحاضرين من كبار السن، العاشقين لهذا الفن الرفيع، والمفاجأة أن غالبيتهم من الشباب، يشاهدون العرض فى خشوع ورهبة، ويصفقون فقط فى نهاية كل مشهد أو فصل وبصورة وقورة للغاية.
ومن المستحيل أن «يصفر» أحد أو يقول «الله ينور يا سوبرانو أو ياسلام يا تينور» مثلا، كما لا يمكن لأى مشاهد المغادرة إلا فى فترة الاستراحة بين الفصلين، وكذلك فالتصوير ممنوع إلا قبل بداية العرض وبعد نهايته.
الأوبريت مدته ثلاث ساعات ويتحدث عن الحب ومآسيه، عن فتاة تحب شخصا، يحب غيرها، وآخر يحب فتاة تحب غيره.
لست خبيرا بالطبع فى فن الأوبرا أو الأوبريت، لكنى مجرد محب للموسيقى الراقية، وهذه الأصوات الاستثنائية فى القوة والنقاء والصفاء.
المايسترو والعازفون لا يجلسون على خشبة المسرح، ولذلك فالجمهور لا يراهم، هم يجلسون فى مستوى منخفض تحت المسرح، ولم نرهم إلا و نحن نغادر المسرح.
حرارة الحدث ودفؤه جعلتنا لا نشعر أن درجة الحرارة تكاد تكون صفرا لأنها كانت درجة واحدة مئوية نهارا.
قد تكون روسيا تعثرت اقتصاديا، وقد يكون الفساد ضرب كثيرا فى بنيتها قبل أن يتمكن فلاديمير بوتين من إنقاذها بعد أن وجه ضربة موجعة لحيتان الفساد، لكن المؤكد أن فخرها وتباهيها لايزال متركزا على الثقافة وعلى الموسيقى، والفنون والآثار، أى على القوة الناعمة، ولذلك ورغم كل التغيرات التى طالت المجتمع الروسى فلاتزال تماثيل رموزها الثقافية شامخة فى ميادين موسكو المختلفة.
ذلك هو الدرس.. السياسيون يجيئون ويذهبون والاقتصاد يتغير، والمجتمع يتقلب، وحدها الثقافة بمفهومها الواسع هى الباقية.. فهل من متعظ؟!.
عموما شكرا لوزير الخارجية محمد كامل عمرو وسفيرنا فى موسكو محمود الديب أن أتاحا لصعيدى مثلى دخول البولشوى.







