استوقفنى خبر فى جريدة الشروق بتاريخ 19 ديسمبر 2012 يتحدث عن رغبة مجموعة من أساتذة الجامعة المصريين المقيمين فى أمريكا فى تحسين النظام الضريبى فى مصر حيث اعتبروه نظاماً لا يحقق العدل والمساواة، وأن لديهم رؤية عملية لإصلاح هذا النظام. ثم انتهى الخبر بجملة على لسان أحد الأساتذة قائلاً: «مصر مليانة فلوس لكن المهم نعرف إزاى ناخد من الأغنياء وندى الفقراء».. ورغم بساطة الجملة إلا أنها تعبّر بصدق عن فكرة «العدالة الضريبية» وأهمية تطبيقها.
لقد أعلنت الحكومة مؤخراً عن قرارات لزيادة الضرائب على عدد من السلع والخدمات ثم جمدتها، وهى القرارات التى أثارت جدلاً واسعاً فى الشارع المصرى نظراً لتأثيرها على زيادة أعباء المواطن المثقل بالفعل بأعباء معيشية كبيرة سببها انخفاض الدخول وارتفاع الأسعار.
إلا أنه ينبغى عدم المبالغة فى خطورة تلك القرارات وآثارها، خاصة أن إجراءات التقشف المالى وزيادة الضرائب حدثت فى العديد من دول العالم التى مرت بظروف شبيهة بما تمر به مصر بل أحياناً كانت الأوضاع أسوأ، مثل ماليزيا وكوريا واندونيسيا واليونان وايرلندا ومؤخراً اسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا. بالإضافة إلى الولايات المتحدة التى تشهد فى الآونة الأخيرة إجراء زيادات كبيرة فى الضرائب وتخفيضاً كبيراً فى الانفاق لتجنب ما يسمى «الهاوية المالية» لسد العجز الضخم فى الموازنة العامة.
والضرائب ليست فقط آلية تستخدمها الحكومات لتحقيق إيرادات للدولة ولكن لإعادة توزيع الدخل القومى أيضا، فالحكومة تعتبر مضخة لإعادة توزيع هذا الدخل من الأغنياء إلى الفقراء.
وقد انشغل العديد من مفكرى المالية العامة بكيفية تحقيق »العدالة الضريبية» والتى تعنى كيفية توزيع أعباء الضرائب «قيمة الضرائب المفروضة على الأفراد والشركات» على جميع فئات المجتمع بما يتناسب وقدرتهم على الدفع ومستويات دخولهم وثرواتهم وإنفاقهم.
ورغم صعوبة تطبيق العدالة بمعناها الرومانسى، فإنه ليس مستحيلاً تحقيق التوازن النسبى بين زيادة إيرادات الدولة عن طريق زيادة الضرائب من ناحية وتحقيق مصلحة أفراد المجتمع فى التمتع بحياة كريمة ومستوى معيشى مناسب من ناحية ثانية.
وبشكل عام يُنظر إلى الضرائب فى مصر من جانب الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل على أنها عبء ثقيل، خاصة أن هذه الطبقات لا تجد مقابل تلك الضرائب خدمات على مستوى عال من الجودة، فى حين لا يساهم أصحاب الدخول المرتفعة فى حصيلة الضرائب بما يتناسب ودخولهم أو ثرواتهم، وهو ما يتناقض مع مفهوم «العدالة الضريبية»، بل إن الأغنياء ورجال الأعمال يستفيدون بشكل كبير من أوجه الدعم التى تقدمها الدولة والتى تمثل الضرائب المصدر الأساسى لها. وهو ما يحتم ضرورة وجود رؤية عملية لإصلاح النظام الضريبى فى مصر ليحقق العدالة.
ومن ثم كيف يمكن إصلاح هيكل النظام الضريبى فى مصر؟
لكى يتم ذلك يجب أن يصبح هذا الهيكل أكثر فاعلية، بمعنى أن يحقق المرونة والسهولة فى التطبيق والعدالة فى توزيع الأعباء على المواطنين والشفافية فى إظهار النتائج ومنع التهرب الضريبى.
لتصميم نظام ضريبى جيد، يجب أن يحقق متطلبات أساسية أهمها العدالة والمساواة equity، والكفاءة efficiency، وتبسيط الإجراءات ease of administration- ريتشارد ماسجراف المالية العامة فى النظرية والتطبيق»، 1982.
إلا أن وضع نظام ضريبى عادل نسبياً يصطدم دوماً بمدى قدرة الدولة على إحداث التوازن المطلوب فيما بين تحصيل الضرائب بمختلف أنواعها والحفاظ على الحد الأدنى من مستوى المعيشة الملائم للمواطنين.
لكن ما هى أهم تأثيرات زيادة الضرائب على مستويات الدخل والمعيشة فى المجتمع، وكذلك على قيمة العملة وأسعار السلع؟
تؤدى زيادة الضرائب «وخاصة الضرائب على السلع والخدمات» إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع ومن ثم انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية، وهو ما يؤدى إلى تراجع عوائد المنتجين وأصحاب الأعمال، ومن ثم تخفيض الانتاج وتراجع المبيعات وتقليل فرص العمل وزيادة البطالة. مما يخلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعى، وزيادة معاناة العديد من طبقات المجتمع.
وهى دائرة اقتصادية ومالية سيئة للغاية لا يستطيع أى اقتصاد الخروج منها إلا من خلال زيادة الإيرادات والتى تتحقق بزيادة معدلات النمو والإنتاج والاستثمارات والصادرات ولا سبيل لزيادة الإيرادات فى ظل تراجع موارد النقد الأجنبى وتراجع الإنتاج إلا من خلال زيادة الضرائب إو الإصدار النقدى الجديد.
إذن هل هناك حلول لإصلاح منظومة الضرائب فى مصر؟
والإجابة: نعم، ومن بين تلك الحلول المقترحة أن تكون السياسات الضريبية واضحة تماماً لجميع فئات المجتمع حتى تزيد الثقة فى الدولة وإجراءاتها، أن يفهم الجميع أن المسئولية مشتركة وإن كانت بدرجات متفاوتة، حيث يتحمل الأغنياء العبء الأكبر لصالح الفقراء، من خلال زيادة الرسوم والضرائب على السلع الكمالية والترفيهية.
توعية المجتمع بأهمية زيادة الضرائب على السلع والخدمات فى الوقت الحالى، وأن هذه الزيادة لها تأثيرات سلبية فى الأجلين القصير والمتوسط «زيادة الأعباء نتيجة ارتفاع الأسعار» وتأثيرات إيجابية متوقعة فى الأجل الطويل «زيادة الإيرادات العامة وتقليل عجز الموازنة».
تطبيق ضرائب الدخل التصاعدية والتى تعنى زيادة نسب الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة.
إعادة تعريف محدودى الدخل حتى تتم زيادة حد الإعفاء الضريبى من 5000 جنيه سنوياً ليصبح 12 ألفاً أو 18 ألف جنيه سنوياً.
ادماج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد لزيادة حصيلة الضرائب
ورغم التحفظ على أسلوب إدارة الأمور المالية والاقتصادية فى مصر حالياً، فإننا أمام أزمة حقيقية تتمثل فى زيادة عجز الموازنة العامة وتراجع موارد النقد الاجنبى «وأهمها السياحة» وتراجع الإنتاج الصناعى والاستثمارات ومن ثم تراجع قيمة الجنيه. هذا بالإضافة إلى أن زيادة الضرائب تعتبر من أهم شروط منح صندوق النقد الدولى قرضاً لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار.
وهو ما يستلزم البدء بتبنى بعض الحلول العاجلة، ثم وضع حلول دائمة فيما بعد، خاصة أن الخروج من الأزمة ليس مستحيلاً إلا أنه مرهون بوجود النية والإمكانية لتنفيذ السياسات المطلوبة والأهم ضخ الثقة فى دماء الاقتصاد المصرى.
بقلم: خالد حسنى مدبولى
الباحث والمحلل الاقتصادى والمصرفى