بقلم: روجير التمان
انتقد خبراء ماليون ومجتمع رجال الأعمال والصحافة الاتفاق الأخير لتجنب الهاوية المالية فى أمريكا فى إطار مواجهة العجز الذى مازال يتجاوز تريليون دولار سنوياً، وكانوا يأملون فى التوصل إلى صفقة عظمى وحزمة طويلة الأمد من تريليونات الدولارات جراء زيادة العائدات وخفض الإنفاق، الأمر الذى من شأنه أن يضع حلاً فعلياً لمشكلة الديون.
ولكن هذا لم يحدث، وبدلاً من ذلك بدت الاتفاقية صغيرة جيداً وغير متوازنة، حيث إنها تجمع مقداراً متواضعاً من العائدات ولا تخفض من الإنفاق، ولم يمدحها أحد خارج حدود واشنطن.
إصابة المنتقدين بحالة من الذهوب حيال المفاوضات المريرة، أفقدتهم المنظور الشامل للاتفاقية، فالولايات المتحدة تحقق تقدماً حقيقياً تجاه الحد من العجز واستقرار مستويات الدين، إذ إن نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى ستستقر عند 73% خلال العقد المقبل، وذلك وفقاً للجنة الموازنة الفيدرالية المسئولة، ذلك لأن العجز فى طريقه إلى التراجع بمقدار النصف وبالتالى لن تستمر مستويات الدين فى النمو، بوتيرة أسرع من الاقتصاد، صحيح أن هذه النسبة مازالت مرتفعة جداً ولكن استقرارها سيكون إنجازاً بالغ الأهمية.
ويشك العديد فى وصول إجمالى العجز على المدى القريب إلى 3 تريليونات دولار، لكن دعونا أولاً نتذكر الصراع المرير بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما والجمهوريين داخل الكونجرس فى منتصف عام 2011 بشأن سقف الدين الأمريكى، وكانت النتيجة تشريعات أطلقت العنان لعمليتين حاسمتين من خفض العجز، حيث فرضت حداً على الإنفاق التقديرى بنحو 1.1 تريليون دولار حتى عام 2021، ودفعت الكونجرس إلى تمرير قانون آخر بخفض العجز بنحو 1.5 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2011، وإلا فإن الخفض فى الإنفاق التقديرى سيحدث تلقائياً.
وبعد ذلك، شاهدنا جميعاً منذ أسبوع الخلاف الذى كان قائماً حيال الهاوية المالية، والذى كانت نتيجته أيضاً مزيداً من الخفض فى العجز، وهذه المرة تضمن التشريع الجديد رفع الضرائب على الأمريكيين أصحاب الدخل المرتفع، ما يؤدى إلى خفض العجز بنحو 740 مليار دولار خلال عشر سنوات، كما أنه أجل الخفض فى الإنفاق حتى الأول من مارس 2013، أى عندما يكون من المفترض رفع سقف الدين مرة أخرى.
وهذا من شأنه أن يضع النصاب لمعركة ثالثة أخرى كبيرة بشأن الموازنة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حيث يطالب زعماء الحزب الجمهورى بالكونجرس بخفض الإنفاق بنحو دولار مقابل كل دولار زيادة فى سقف الديون، فعلى ما يبدو أنهم على استعداد للزج بأمريكا إلى حافة التعثر من أجل الحصول على هذا الخفض.
ولكن أوباما كله إصرار على عدم الدخول فى مفاوضات مع الجمهوريين مرة أخرى، ويعد هذا موقفاً حكيماً، لأنه سيكون تصرفاً أرعن إذا خاطر بكارثة مالية لصالح مطالب سياسية، ويجب أن يثبت أوباما على موقفه ويقوم برفع سقف الدين دون قيد أو شرط.
والاتجاه الأفضل أن يتبعه جميع الأطراف فى أمريكا الآن هو تبديل هذا الانقسام بحزمة أكثر توازناً بإجراءات خفض العجز، ويتعين عليهم حالياً التفاوض بشأن تشريع جديد يحتوى على مزيد من العائدات ربما من خلال تحديد سقف لقيمة الاستقطاعات وخفض حجم النفقات المستحقة، حيث إنها تمثل مشكلة الإنفاق الحقيقى وليس الإنفاق التقديرى.
على أى حال فإن هذه الجولات من خفض العجز تحل مشكلة الديون بشكل تدريجى، وصحيح أن المزيد من خفض العجز سيكون مطلوباً، إلا أن أمريكا تحقق تقدماً مثيراً للدهشة حيال هذا الاتجاه.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز








