بقلم: أوين جونز
دون أى تمعن أو تنويه أو تصويت برلمانى أو حتى اتخاذ أى إجراءات تمهيدية، تشارك بريطانيا الآن فى صراع عسكرى آخر داخل دولة إسلامية أو هكذا علمنا.
الطائرات البريطانية تحلق فوق مالى، بينما تقصف فرنسا البلاد بحجة أنه من الضرورى صد الميليشيات الإسلامية لحماية أوروبا من إقامة دولة إرهابية، وحذرت منظمة العفو الدولية وخبراء فى شئون غرب أفريقيا من الكارثة المحتمل وقوعها جراء التدخل العسكرى الأجنبى، ولكن القنابل المنهمرة على مدن مالى تشير إلى أنهم ضربوا بهذا التحذير عرض الحائط.
يعد هذا التدخل نتاجاً لتدخل آخر عادة ما توصف الحرب الليبية بأنها قصة نجاح للتدخل الليبرالى، إلا أن الإطاحة بالديكتاتور الليبى السابق معمر القذافى عكست عواقب لم تكلف وكالات الاستخبارات الغربية عناء التفكير فيها إذ تخيلتها.
جماعات الطوارق، الذين يقودون الانتفاضة الحالية فى مالى، كانوا يشكلون قسماً كبيراً من جيش القذافى، وعندما تمت الإطاحة به عادوا إلى موطنهم، رأى الطوارق المسلحون الفرصة سانحة أمامهم لتحقيق حلمهم الذى طال انتظاره فى تقرير مصيرهم، ومع اندلاع الثورة، تمت الإطاحة بالرئيس المالى المنتخب ديمقراطياً، آمادو تومانى توريه، من خلال انقلاب عسكرى، ورغم السماح بتولى حكومة انتقالية مدنية السلطة، إلا أن الجيش احتفظ بهيمنته.
بالتأكيد، لا يمكن أن يكون هناك أى تعاطف مع الميليشيات التى تحارب حكومة مالى، وقاد الوطنيون العلمانيون انتفاضة الحركة الوطنية لتحرير منطقة «أزواد» ثم سرعان ما تمت تنحيتهم من قبل الجهاديين الإسلاميين بسرعة صدمت المحللين الأجانب، وبدلاً من إقامة دولة مستقلة للطوارق، كان لهؤلاء الجهاديين طموحات أكبر بكثير ترتبط بجماعات مماثلة مقرها شمال نيجيريا.
عندما مهد مجلس الأمن الطريق بالإجماع لاستخدام القوة العسكرية الشهر الماضى، أطلق الخبراء تحذيرات واضحة يجب علينا أن نتخذها على محمل الجد، فقد حثت مجموعة الأزمات الدولية للتركيز على الحل الدبلوماسى لإعادة الاستقرار للبلاد، قائلة إن التدخل العسكرى قد يؤدى إلى تفاقم الصراع العرقى الداخلى، كما حذرت منظمة العفو الدولية من هذا التدخل، مشيرة إلى أنه سيزيد على الأرجح من نطاق انتهاكات حقوق الإنسان التى نشهدها بالفعل فى هذا الصراع.
وقال بول روجرز، أستاذ دراسات السلام بجامعة برادفورد إن الحروب فى بعض بلدان العالم لمحاربة الإرهاب منذ اندلاعها كانت تتخذ اتجاهات مقلقة، وقد تعكس نتائج كارثية وغالباً ما تعزز الحركات التى نشبت هذه الحروب لمواجهتها.
من الممكن أن يحقق هذا التدخل أهدافه لفترة وجيزة فى صد الميليشيات الإسلامية ودعم حكومة مالى، ولكن الحرب الليبية اعتقد العالم أنها أيضاً ناجحة ونحن الآن منخرطون فى عواقبها الكارثية، وفى أفغانستان، مازالت القوات الغربية تشارك فى حرب لا تنتهى ساعدت فى زعزعة استقرار باكستان، وأدت إلى مقتل مئات المدنيين جراء هجمات الطائرات دون طيار، كما أسفرت عن المزيد من الفوضى، فعادة ما تغفل وسائل الإعلام عن ثمن التدخلات الغربية إلا أن ثمنها مازال يدفع حتى الآن.
مما لا شك فيه أن هذا التدخل الغربى الذى تقوده فرنسا وتسانده بريطانيا سوف يدعم الرواية التى تسردها الجماعات الإسلامية المتطرفة بأنه اعتداء على الإسلام، خاصة مع سرعة وسائل الاتصال الحديثة.
وتحسباً للعواقب الوخيمة لهذا التدخل، فقد وضعت فرنسا الأهداف التى من المحتمل أن تتعرض لهجمات إرهابية فى حالة تأهب وهذا يشير إلى أن حلفاءها معرضون ـ أيضاً ـ للخطر.
إن مسئولياتنا جميعاً التمعن فيما تفعله حكوماتنا الغربية باسم شعوبها، وإذا لم نتمكن من تعلم هذا الدرس من حروبنا فى العراق وأفغانستان وليبيا، فإن وضعنا ميئوس منه.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: صحيفة الاندبندنت البريطانية








