بقلم: محمود شنيشن
كل شىء جديد فى العام الجديد، محافظ البنك المركزى والحكومة والبرلمان وحتى الدستور جديد وربما الرئيس أيضا، شىء واحد لا يزال قديما هو الأفكار.
وإذا كان للسياسة حساباتها وللساسة ألاعيبهم، فإن للاقتصاد قواعده وللاقتصاديين خططهم، ولا يصح أن تنطبق عليهم نفس المعايير، وإذا كان يتعين علينا التعايش مع أفكار الساسة المبتدئين على الأقل حتى يتعلموا، فإننا لا يجب أن نجرب خططاً فى المجالين الاقتصادى والمالى ثبت فشلها فى تجاربنا الماضية، أو على الأقل لم تؤت أكلها.
وفى البنك المركزى حيث المحافظ الجديد يجرى امتداحه بأنه خريج نفس مدرسة المحافظ السابق، وامتداد لنفس السياسات التى ساهم فى صنعها منذ خمس سنوات، تمس الحاجة إلى طريقة جديدة فى التفكير، تبث روحاً جديدة فى القطاع وتتوقف عن الاعتماد على هيئته الجميلة فقط.
فى عهد المحافظ الجديد يجب أن يكون امتداحه بقدر مخالفته للسياسات المتبعة فى السابق، لا بقدر متابعته لها، وبقدر الأفكار المبدعة لا بقدر الخطط المعلبة.
حان الوقت ليلعب البنك المركزى دورا أكبر فى إدارة الاقتصاد، وأن يتحمل نصيبه من حل المشكلات المتتالية التى يواجهها هذا الاقتصاد، وعدم الاكتفاء بالأدوار الهامشية التى اختارها لنفسه منذ زمن طويل.
حان الوقت للتعلم من تجارب الدول الأخرى التى مرت وتمر بأزمات اقتصادية حادة من حولنا، والتى تلعب فيها البنوك المركزية الدور الرئيسى فى عمليات الانقاذ، حان الوقت ليعلوا صوت البنك المركزى ولو قليلاً فى وجه حكومة ضعيفة ومتخبطة ولا تعرف ماذا تريد؟.
حان الوقت لسياسات جديدة فى سوق الصرف، أكثر مرونة وأقدر على التكيف مع معطيات السوق بسرعة وفعالية.
حان الوقت ليتوقف البنك المركزى عن التصرف كديناصور، أكل كل شىء حوله فلما لم يجد ما يأكله مات وانقرض، هكذا تصرف البنك المركزى فى أزمة الاحتياطى وكان الثمن غاليا، كلف الدولة 21 مليار دولار على الأقل وهو الأن يكلف الناس أكثر من 10% من دخلهم فى الأسعار التى ارتفعت بعد أن انفجرت فقاعة الجنيه نتيجة السياسات الخاطئة، وفى أسبوعين إنهار البناء الهش الذى حافظنا عليه على مدار عامين.
حان الوقت ليفكر البنك المركزى فى بناء سياسة نقدية جديدة تختلف كليا عن تلك المعمول بها حاليا، تهتم لأمر التمويل عمل البنوك الأساسى «معدلات تشغيل القروض للودائع فضيحة»، تتوقف عن الهوس بمعايير السلامة الشكلية التى جرى التركيز عليها فى العشرية الماضية على حساب الإقراض، تمنح الاقتصاد فرصة للنمو والتنفس.
حان الوقت للتفكير فى مستويات مختلفة تماما لأسعار الفائدة المرتفعة فى مصر بشكل مزمن، وتقليل تكلفة الحصول على التمويل، وتسهيل إجراءاته فى سوق يكاد نموه يتوقف منذ عامين.
ما المطلوب حدوثه للاقتصاد حتى يتحرك البنك المركزى فى هذا الملف؟
أسعار فائدة فلكية على أدوات الدين الحكومى تساهم فى تغذية العجز المالى، وفائدة مرتفعة على أدوات البنك المركزى لا تتناسب مع مستويات التضخم التى انخفضت لأدنى معدلاتها فى سبع سنوات، وشركات تقريبا جمدت كل خططها حتى إشعار آخر قد لا يأتى قريباً، أرجو أن يخبرنا البنك المركزى عن فكرته عن التحفيز الإقتصادى ومتى يمكن أن يتدخل إذا لم تكن الأسباب السابقة كافية لتدخلة الآن.
حان وقت الشغف بالنمو، والدفع نحو الاقراض واعادة الاقتصاد إلى المسار، تفضيل البنوك لعدم الاقراض ليس سببه أنها طبقت معايير سلامة تمنعها من الإقراض، بل سببه أنها تتجنب تطبيق هذه المعايير المزعجة والتى ستجبرها على تطبيق إصلاحات حقيقية على مستوى رؤوس الأموال والهياكل المالية، والمفارقة أن التوسع فى الإقراض هو الشىء الذى سيجعل هذه البنوك تهتم بتعزيز رؤوس أموالها، وتلتزم بمعايير السلامة بشكل حقيقى وفعال.
الاهتمام بسلامة الجهاز المصرفى فى العشرية الماضية مفهوم لأنه جاء نتيجة رداءة أكثر من ثلث قروض البنوك قبل عشر سنوات، وكان لا بد من قواعد جديدة، لكن المبالغة فيها فى الوقت الحالى لم تعد مفهومة.
حان الوقت ليعيد البنك المركزى النظر فى موقفه من البنوك الإسلامية والتمويل الاسلامى ككل فى البلد الذى اخترع الصيغة الحديثة لهذا التمويل، وهو موقف عصى على الفهم، وسيتغير على كل حال تحت ضغوط سياسية.
حان الوقت ليعتنى البنك المركزى بالعملاء ومتلقى الخدمة وليس فقط مقدميها، وربما يتعين إنشاء جهاز رقابى لمراقبة جودة الخدمات المالية المقدمة ككل، وحماية العملاء من بطش البنوك الذى يكاد يتكرر كل يوم تقريبا، الأفراد منهم والشركات، ولا يكاد ينجو من الممارسات المزاجية للبنوك سوى كبار العملاء وهم على أهميتهم قلة.
ولا يعقل أن يكون هناك قطاع خدمى بهذا الحجم ولا يوجد من يراقب جودة الخدمة فيها أو من يهتم لأمر العملاء، البنك المركزى دوره رقابى فى الأساس لكننا نعرف كما يعرف هو أنه يهتم بأشياء لا تعنى العملاء غالبا، حتى فى حالة الشكوى قد لا يتحرك، وطبعا جهاز حماية المستهلك فى حاجة إلى من يحميه.
باختصار حان الوقت للإبداع والتفكير خارج الصندوق، حان الوقت لتغلق مدرسة فاروق العقدة أبوابها، لنبدأ من جديد.