بعد دقائق قليلة من نهاية الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الاقتصادية فى العاصمة السعودية، توجه الرئيس محمد مرسى إلى دار سكن السفير المصرى بحى السفارات للقاء ممثلين للجالية المصرية التى يزيد عددها على مليون شخص.
أتيح لى أن أحضر اللقاء، والنتيجة الجوهرية التى خرجت منها هى أن هناك سوء فهم منقطع النظير بين قطاعات شعبية ليست قليلة وبين الإعلام المصنف ليبراليا أو مدنيا.
اللقاء تم فى صالة ضيقة وكان تنظيمه عشوائيا بصورة كبيرة، كان يمكن تنظيمه فى مكان أكثر اتساعا، بدلا من التفاف وتداخل الحاضرين بشكل ترك معظمهم فى حديقة السفارة.
أحد الحاضرين هتف بأعلى صوته مطالبا الرئيس بتأسيس إعلام بديل يرد على الإعلام المضلل.
من حسن الحظ أن مرسى قال أثناء كلمته إن المشكلة ليست فى الاحتجاجات أو الآراء المختلفة، لكن من سوء الحظ أنه وعقب نهاية اللقاء ـ الذى استمر أكثر من ساعة ونصف الساعة ـ التف حولى عشرات المصريين، وبعد أن سألوا السؤال التقليدى «مصر رايحة على فين.. وإيه اللى هيحصل يوم الجمعة؟!»، وجهوا هجوما عنيفا على الإعلام والإعلاميين الذين يعتقدون أنهم سبب كل المصائب.
أحد الذين ناقشتهم يقول إن الإعلام الليبرالى لا هم ولا هدف له إلا مهاجمة رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان.
مغترب آخر رأيه أن هذا الإعلام أجير وعميل ويتحدث بلسان صهيونى.
مغترب ثالث يرى أن الحل هو إغلاق كل أجهزة الإعلام الليبرالية وأن نترك الرئيس يحكم لأن الشعب قد انتخبه.
مغترب رابع يطالب باعتقال باسم يوسف وتوفيق عكاشة وكل من يتجرأ على انتقاد الرئيس.
الذى أدهشنى أن غالبية الحاضرين يشغلون مناصب مرموقة، ونوعية سياراتهم تقول إن مستويات معيشتهم مرتفعة، لكن حديثهم يقول بوضوح إنهم منتمون إلى جماعة الإخوان أو ربما متعاطفون معها واحتمال أنهم يكونون مجرد مؤيدين للرئيس محمد مرسى.
لا ألوم هؤلاء ولا أدينهم، بل ألوم نفسى وألوم بقية الإعلاميين الذين لم يستطيعوا الوصول إلى هؤلاء وتوضيح مقصدهم.
لمدة أكثر من ساعة تناقشت مع بعضهم، وقلت لهم إن مطالبهم تعنى إعادة إنتاج دولة مبارك بنفس آلياتها مع اختلاف الأسماء، وأن الحل الحقيقى هو تطبيق القانون على كل إعلامى يسب أو يشتم أو يحقر الرئيس أو الغفير.
ردوا بالقول إنه لا يوجد قانون، لأنه لو كان موجودا ما تم كل ذلك. قلت لهم وحتى إذا كان ذلك صحيحا فالحل أن نقاتل من أجل إقامة دولة القانون.
قلت لهم إن الصحف لا توجد شيئا من العدم، وأن محمد مرسى إذا حقق أى تقدم على أرض الواقع فسوف ينعكس ذلك فى الإعلام، وسوف يلتف الناس حوله حتى ولو استمر الإعلام فى الحديث عن السلبيات.
أعذر غالبية المصريين المغتربين، لأنهم عندما يعودون من أعمالهم لا يجدون أمامهم إلا الفضائيات ومواقع الانترنت، ويتخيلون أن القتل والخطف صار شيئا طبيعيا فى الشارع، وأى خبر «نص لبة» هو حقيقة.
أتمنى أن يصبح الإعلام المصرى بكل أطيافه موضوعيا ومهنيا، وبالطبع هذا حلم يحتاج وقتا طويلا وظرفا موضوعيا مختلفا كى يتحقق.
لكن وإلى أن يحدث ذلك، فعلينا بالنضال المستمر من أجل حرية الإعلام ومسئوليته أيضا.
تحية حارة إلى كل المغتربين المصريين فى السعودية وسائر أنحاء العالم.






