بقلم: تشارلز هولمز
خلقت الدراما السينمائية فى مصر جمهورا عالميا يتوق إلى رؤية بطل ونهاية سعيدة، مصر فى خضم مواجهة مع الحداثة التى سوف تستمر فى تحديد وجهة البلاد بغض النظر عن الأدوار الفردية لممثلى الاحداث السياسية الدرامية، هذه الازمة هى السبب الرئيسى وراء اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ضد حسنى مبارك، والاحداث التى شاهدناها على مدار العامين الماضيين ليست سوى اعراض تلك الازمة.
فما نشهده الآن سكرات الموت الاخيرة للحقبة الناصرية، فقد حددت الرؤية الأيديولوجية لجمال عبد الناصر، الذى قاد ثورة 1952 التى اطاحت بالحكم الملكى فى مصر، ملامح السياسة المصرية خلال الستة عقود الماضية: القومية العربية، المعاداة الشديدة للاستعمار، تأميم اقتصاد البلاد.
كما كانت هيمنة الجيش هى الاساس الذى بنيت عليه مصر الحديثة، على الرغم من أن السياسة الناصرية كانت ناجحة فى مساعدة مصر على الخروج من ماضيها السياسى إلا أنها كانت آخذه فى التراجع ببطء حتى انها اصبحت الآن على وشك الانهيار.
وأيقظ انهيار نظام مبارك المصريين للحظات من سباتهم الذى دام عقوداً طويلة، ولكن ارث ناصر مازال قائما كالهياكل الأساسية للدولة والمجتمع والاقتصاد، وهو صرير آليات نظام الحمائية المختل الذى مازال يسعى لسد الطريق امام قوى الحداثة والعولمة من اجل الحفاظ على المصالح المكتسبة لبعض النخبة.
تعد مؤسسة امن الدولة فى مصر خير مثال على أن الثورة فى البلاد لم تنته بعد، فبعد مرور عامين على اندلاعها لم تشهد وزارة الداخلية اى تعديل ولم تلتئم بعد جراح سنوات من معاملتهم الوحشية للمجتمع المصرى ومازال تطبيق القانون المدنى يواجه مستقبلاً مجهولاً.
وللأسف، كشف الاخوان المسلمون النقاب عن انفسهم سريعا كممثلين لاستمرار هذا النظام المختل، حيث اظهر الرئيس محمد مرسى حرصه على الاحتفاظ بالسيطرة السلطوية على العملية السياسية تماما كسلفه، مثلما اتضح فى اصداره اعلاناً دستورياً يمنحه سلطات واسعة لفرض دستور جديد تم الانتهاء منه فى فترة وجيزة.
بينما اطاح مرسى بالقيادات العليا فى الجيش فى اغسطس الماضي، لم يمس الدستور الجديد المثير للجدل استقلال تلك المنظومة عن الرقابة المدنية وحافظ على حكمها الذاتى لشئونها الخاصة المبهمة وترك ميزانية الجيش الواسعة بعيدا عن مراجعة البرلمان لها واستمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين، ومن الصعب تصور كيف يمكن أن تتحرك مصر إلى عهد جديد بينما لا تزال المؤسسة العسكرية، الذى تمثل الأساس التى قامت عليه السلطة فى الحقبة الناصرية، تهيمن على زمام الامور فى البلاد.
ويمكن القول إن نظام التعليم فى مصر كان له أثر سياسى كبير، فقد شيد قادة مصر مصانع تنتج موظفين غير مبدعين وغير محبين للعمل فى نظامهم البيروقراطى المدنى والعسكري، بالإضافة إلى أن صراع القوى الليبرالية للتأقلم مع النظام الجديد خلال العامين الماضيين هو نتيجة غير مباشرة للتراجع الفكرى فى مصر، وقد ادى تدهور المؤسسات الاكاديمية فى مصر إلى غياب الأفكار وقصور شبه تام فى الرؤية السياسية.
وقد مهد التدهور الموازى فى دور المؤسسات الدينية الرئيسية، لاسيما جامعة الأزهر الطريق أمام صعود الأيديولوجيات الإسلامية الأخرى.
وفى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، يبدو أن حلول ازمة الحداثة فى مصر من الصعب التوصل اليها، فحكومة مرسى لا تظهر سوى الاستبداد مثل سابقاتها، والمعارضة فشلت فى بناء تنظيم سياسى او تحديد اجندتها، وفى الوقت ذاته تهدد الرؤية الرجعية للاسلاميين المتطرفين بسحب مصر بعيدا عن الحداثة.
وأثبتت الثمانية عشر يوما للثورة التى اطاحت بحسنى مبارك أن مصر قادرة على تحقيق ما لا يمكن تصوره، والآن تحتاج البلاد إلى المزيد من الصدق والشجاعة لوضع حد لهذا النظام القديم الذى يحتضر بالفعل.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين بوليسى








