تستحوذ اقتصادات المعرفة علي 7% من الناتج المحلي الإجمالي علي مستوي العالم، بنسبة نمو 10% سنوياً حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة 2012.
لقد ساعد التحول إلي الاقتصاد القائم علي المعرفة، أو ما يعرف بـ «الاقتصاد المعرفي» علي زيادة الناتج المحلي لبعض الدول، ومثال ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كان ناتجها المحلي الإجمالي في 1970 عند قيام الاتحاد 1.76 مليار دولار، ليصل في نهاية 2012 إلي 188.4 مليار دولار، وبزيادة في نسبة مشاركة القطاعات النفطية البالغة 69% بعد أن كانت 30% فقط.
يسعي العاملون علي هذا المفهوم إلي البحث في كيفية تحفيز المنظمات في القطاعين: الحكومي والخاص، لإيجاد المعرفة التنظيمية وتبادلها فيما بينهم، والخروج بخطط تنمية مستقرة علي المدي الطويل، وتحسين بيئات الأعمال والأفراد بما يتناسب والظروف والأحداث التي يمر بها العالم، علماً بأن نسبة نمو اقتصادات المعرفة 10% سنوياً، حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة لعام 2012، وإليكم بعض آراء الخبراء في هذا المجال، حول كيفية الاستفادة من مفهوم إدارة المعرفة اقتصادياً.
إدارة المعرفة والاقتصاد التنافسي
تعمل أدوات وتقنيات إدارة المعرفة، علي توفير أسس نجاح اقتصاد المعرفة في المنطقة، كما تساعد تقنيات إدارة المعرفة داخل المنظمة علي اقتناء كل من: المعلومات وأصول المعرفة واستعمالهما بكفاءة، لتحسين العمليات الداخلية ورفع مستوي كفاءة الشركة، ويمكن للمنظمة أن تستعمل أصول المعرفة الخاصة بها لتوفير خدمة أفضل للعملاء، ما يؤدي إلي تطوير اقتصاد الخدمات في المنطقة، كما ان تحسين التشارك بالمعرفة الظاهرة والضمنية يمكن أن يؤدي إلي إيجاد قنوات لتبادل الأفكار والمعرفة، من أجل تحقيق مفهوم الابتكار علي أرض الواقع.
كما ان مراكز حفظ المعرفة مثل: «المواقع وبوابات ويب» وغيرها التي تستعمل لنشر المعلومات، يمكنها أن تعزز أنشطة التطوير الاقتصادي. وفضلاً عن ذلك فإن منظمات تطوير الاقتصاد تستطيع استعمال أدوات إدارة المعرفة وتقنياتها، لتعزيز تسويق الشركات المحلية، وتعريف الفرص التجارية، وتطوير المجموعات الاقتصادية محلياً وإقليمياً، وبالتالي فإن ممارسات إدارة المعرفة ضرورية لبناء اقتصاد تنافسي في المنطقة غير ان ذلك يتطلب من الهيئات الحكومية تطوير اقتصاد يتبني إدارة المعرفة علي هيئة استراتيجية تطوير اقتصادية.
حلول إدارة المعرفة الاقتصادية
تقدم إدارة المعرفة مجموعة من الحلول التي يمكن لها أن تتعاطي بمرونة مع التموجات الاقتصادية من خلال التقنيات وآليات الحصول عليها وإعادة استعمالها، ومثال ذلك عندما يتم تقليص عدد أفراد الشركة، فإن مواردها تأخذ بالانحسار ومع أي موجة نمو اقتصادي تبرز الحاجة إلي تلك الموارد بسرعة، وفي هذا الوقت لا يمكن توظيف الأفراد وتدريبهم بالسرعة الكافية، والمحافظة علي مستوي الأداء باتباع الطرق التقليدية، هنا يأتي دور نظام إدارة المعرفة الذي يستطيع بكفاءة التعامل مع النمو الاقتصادي، وتمثل مجتمعات الممارسة إحدي الوسائل التي يمكن من خلالها التشارك بالمعلومات، التي تساعد علي حل المشكلات الاقتصادية أثناء النقاشات وتوليد الأفكار، للوصول إلي حلول للمشاكل الاقتصادية.
خلال الأوقات الاقتصادية العصيبة، تصير مسألة خفض كلفة الخدمات أولوية معظم الشركات، وتساعد قواعد المعرفة وتقنيات إدارة المعرفة الأخري علي الوصول إلي هذا الهدف عبر تقليص المكالمات المتكررة، والتعامل مع الاتصالات وتدريب الوكلاء لتحسين أدائهم، مما ينتج عنه تعزيز مستوي كفاءة مراكز العملاء.
إدارة المعرفة تقود إلي الابتكار
حين تم إطلاق الانترنت للاستخدام العام في منتصف التسعينيات، أدي إلي ظهور اقتصاد جديد مبني علي المعرفة والتنظيم الشبكي، إذ تعدّ المعرفة وأرقي نماذجها: «الابتكار»، أحد أهم روافد عملية التنمية، بالإضافة إلي كونها في موقع قيادة الأسواق والإيرادات العالية، والتي تتناقض مع الاقتصادات التقليدية التي تستند علي الموارد الطبيعية والاقتصادات التي لاتزال في مرحلة الانتقال نحو العصر الصناعي، كما هي حالة الاقتصادات العربية.
ووفقاً لتقارير التنافسية العالمية الأخيرة الصادرة عن «منتدي الاقتصاد العالمي» في الأعوام «2010-2011، 2011-2012، 2012-2013»، فقد أشارت إلي أن غالبية الدول العربية لاتزال في حالة «الاقتصادات التي تحكمها العوامل» أو هي في حالة الانتقال إلي «الاقتصادات المسيرة بالكفاءة» وبالتالي لم تصل أي دولة عربية لتحقيق اقتصادات قائمة علي الابتكار في عام 2012، وحسب تقرير مؤشر الابتكار العالمي الذي يذكر ان 13 دولة عربية من بينها 5 دول من الخليج العربي – باستثناء الكويت – تعد غير فعالة علي مؤشر الابتكار.
جاءت الإمارات حسب تقرير التنافسية العالمي 2012 – 2013 الذي صدر عن «المنتدي الاقتصادي العالمي» في ديسمبر من العام الماضي، في المرتبة 24 من أصل 144، لتتقدم هذه المرة بـ 3 مراكز مقارنة مع عام 2011 وتعد الإمارات الاقتصاد الوحيد في المنطقة ضمن قائمة «الاقتصادات القائمة علي الإبداع والابتكار».
تستند القدرة التنافسية الحقيقية علي موارد المعرفة والأصول، وقدرتها الكبيرة علي بناء اقتصاد قائم علي الكفاءة في مجموعة عوامل، علي رأسها: التعليم العالي والتدريب والابتكار، وتطوير بيئة الأعمال. وهذا يعني أن التوقعات الطموحة وتوافر الموارد المالية والمادية يمكنها التغلب علي بعض العقبات، لاسيما في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن سيظل هناك بعض العقبات التي لا يمكن التغلب عليها بالمال وحده، هذه العقبات تتطلب البني التحتية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المناسبة، جنباً إلي جنب مع مجموعة من قيم العمل والمنهجيات التي ستسهم في التغيير نحو المطلوب.
إدارة المعرفة الاستراتيجية
هناك فرق بين إدارة المعرفة الاستراتيجية وإدارة المعرفة العملية، لأن الأولي تجيب عن الأسئلة المطروحة حول مجالات المعرفة الأساسية وإمكان إدارتها بشكل أفضل، والسؤال الأهم: هل سيحدث ذلك فرقاً كبيراً في تحقيق أهدافنا؟ تعد المعرفة هنا العنصر الأساسي للتحول والابتكار، وهو ما ينتج عنه إعادة هيكلة المنظمة – إذ تتمحور حول مجالات المعرفة الأساسية، ليصبح عملها علي نمط واحد، وتدعي المنظمة التي تمارس إدارة المعرفة الاستراتيجية بـ «منظمة مقادة بالمعرفة»، لأنها تقدر أهمية المعرفة وتعدها عنصراً أساسياً، بينما تجيب إدارة المعرفة العملية علي الأسئلة المطروحة حول تطوير طريقة إدارة المعرفة، إنها قائمة عن التحسينات التدريجية الناشئة من عمليات المعرفة وطرقها وأدواتها. وتعد المعرفة هنا عنصراً مهماً ولكن ليس أساسياً.
وتدعي المنظمة التي تمارس إدارة المعرفة العملية بـ «منظمة قائمة علي المعرفة».
وعلي سبيل المثال، فإن صاحب شركة صناعة السيارات التي تستخدم المعرفة الاستراتيجية قد يعبر بشكل أساسي عن عمله بالقول: نحن نعمل في مجال تصميم السيارات وصنعها، أما صاحب شركة أخري تستخدم معايير المعرفة العملية فيعبر عن عمله علي نحو ثانوي بالقول: نحن نعمل في مجال تطوير وتطبيق أفضل معرفة حول تصاميم السيارات وصناعتها، هذه الفروقات توضح المعني الحقيقي لكيفية استخدام هذا المصطلح وتوظيفه بوجهه الحقيقي في الشركات والمؤسسات.
استخدام إدارة المعرفة لدعم وتحقيق التطلعات الحكومية
ليس بوسع مفهوم «إدارة المعرفة» دعم الاقتصاد بنفسه، عوضاً عن ذلك، يمكن للناس الذين يدركون أهمية المعرفة ولديهم القدرة علي التكيف مع تطبيقات إدارة المعرفة في منطقة ما إحداث تغيير فيها. دعونا نفهم ما هي المعرفة وإدارة المعرفة لفهم الإجابة، فنحن نعني بـ «المعرفة» بأنها تلك القدرة المحتملة أو الفعلية علي اتخاذ تدابير فعالة، وهي تدفع بالقرارات التي نتخذها والإجراءات التي نعتمدها، وعندما تؤدي هذه الإجراءات إلي نيل النتائج المرجوة، فهذا يعني أن لدينا معرفة جيدة، فالمعرفة تعتمد علي كل من: الموقع ونوع الحالة، وهذا يعني ان ما يصلح في حالة واحدة قد لا يكون كذلك في حالة أخري، وما يناسب ثقافة معينة قد لا يناسب أخري. لكن بفهم نمط عملية اتخاذ القرارات وأنواعه، والعلاقات فيما بين تلك العناصر بوسعنا أن نطور الأفكار والقدرات علي التعلم في مواقف مختلفة، وفي حين يحتمل مفهوم «إدارة المعرفة» تعريفات كثيرة، إلا ان الوصف الدقيق لهذه الإدارة يبدو لدي وزارة البحرية الأمريكي، التي تري بأن إدارة المعرفة هي: عملية تحسين التطبيق الفعال لرأس المال الفكري، لتحقيق الأهداف التنظيمية. وهناك نقاط رئيسية عدة في هذا التعريف، أولاً: المعرفة هي نتاج «الأفراد» «رأس المال الفكري»، والتفريق بينها وبين المعلومات «في أي نمط منتظم» والتي هي جزء من المعرفة نفسها. ثانياً: لإدارة المعرفة علاقة مباشرة في تحقيق الأهداف التنظيمية – وفي حالة إمارة أبوظبي فإن الأهداف التنظيمية تتمثل
في المنطقة العربية، إذ يتم استخدام إدارة المعرفة لدعم تحقيق الرؤية المنشودة.
وفي رؤية أخري لإدارة المعرفة من وجهة نظر الدولة المدنية، فإنها عملية إدارية تسعي إلي تكوين نطاق معرفي، علي أن: «أ» مطلع علي ماهية المعرفة، وكيف يمكن تؤثر وتعزز التعاون والنمو الاقتصادي، والإجراءات الفعالة الواجب اتخاذها في المنطقة أو في الصناعة أو في مسألة السكان لتحقيق هذا النمو. و«ب» يساعد الأفراد علي اتخاذ قرارات أفضل، من خلال إنشاء وتبادل المعلومات والمعارف ذات العلاقة بأهدافهم وغاياتهم، كذلك المواقف والفرص، وبوصفهم أفراداً يتعلمون بهدف الابتكار أو المشاركة أو الاختيار أو تعديل
وتطبيق المعرفة والقرارات الخاصة بهم، وتنفيذ تلك القرارات، والتي ستسهم في زيادة ملحوظة لاحتمالية رفع العوائد المالية من الاستثمارات الاقتصادية، وعلي وضع وتنفيذ استثمارات جديدة، إن القدرات المعرفية تساعد علي ضمان استدامة عوامل مثل: المرونة والاستجابة السريعة والمقاومة، بالتوازي مع التطور والتعليم المستمرين.








