بقلم:عماد الدين حسين _ الشروق
المواطنون البسطاء احتاروا فى معرفة السؤال الصعب وهو: من تدعم أمريكا فى مصر: الدكتور محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، أم الدكتور محمد البرادعى وجبهة الإنقاذ وسائر أطياف المعارضة المدنية؟! .
كثير من أنصار التيار الإسلامى اتهموا ويتهمون قادة جبهة الإنقاذ بأنهم عملاء لأمريكا والغرب والعلمانية والصهيونية بهدف تقويض المشروع الإسلامى الناهض «من النهضة».
هؤلاء الأنصار لديهم يقين لا يتزعزع فى أن أمريكا لن يهدأ لها بال هى والغرب وإسرائيل حتى تزيح التيار الإسلامى من الحكم وتعيد أنصارها ومريديها أو عملاءها إلى الحكم.
فى المقابل، فوجئنا قبل أيام ببعض قادة المعارضة ينتقدون الولايات المتحدة بشدة، لأن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية طالب جبهة الإنقاذ بالمشاركة فى الانتخابات بعد قرارها بالمقاطعة، بل وصل الأمر بالبعض الى اتهام وزير الخارجية الامريكى الجديد جون كيرى الذى زار القاهرة فى اليومين الماضيين بأنه «إخوانى متنكر، أو خلايا نائمة».
قرأنا لهؤلاء القادة مطالبات لواشنطن بالتوقف عن التدخل فى الشأن الداخلى لمصر.
المفارقة فى هذا الموقف، أن بعض قادة الإنقاذ كان سعيدا عندما كانت أصوات أمريكية تطالب الرئيس مرسى بأن يحرص على التوافق الوطنى ويشارك الجميع فى العملية السياسية، ولم نسمع من هؤلاء انتقادا لواشنطن باعتبارها تتدخل فى الشأن الداخلى لمصر.
وفى المقابل، لم نسمع صوتا من أنصار التيار الإسلامى يدين التصريحات الامريكية المنتقدة للإنقاذ والمتدخلة فى شئوننا، هؤلاء لم يسألوا أنفسهم لماذا تطابق الموقف الأمريكى مع الموقف الإخوانى فى هذا الأمر، ولماذا فرحوا بهذا الموقف من «الشيطان الأكبر»، ولم يروا فيه مناصرة لطرف ضد آخر؟!.
قادة المعسكرين يدركون تماما أن التدخل الأمريكى فى الشأن الداخلى المصرى يحدث منذ جولات هنرى كيسنجر المكوكية بعد حرب أكتوبر 1973 مباشرة وحتى هذه اللحظة، وسوف يستمر طالما أن قرارنا الوطنى مرتهن بالخارج، وعندما يتهم طرف آخر بتنفيذ الأجندة الأمريكية فهو يعلم أنه يمارس هجوما سياسيا قد يكون هو أيضا متورطا فيه.
أما أنصار الفريقين فيتوهمون أن معسكرهم هو الأكثر شرفا والآخر «شيطان رجيم»، والمأساة أن هؤلاء الأنصار هنا وهناك لا يريدون أن يروا الحقيقة المرة.
هذه الحقيقة المرة تقول إن واقعنا صعب، ومشاكلنا «متلتلة»، وحالنا يصعب على الكافر، وسواء كان الحاكم هو محمد مرسى الإخوانى أو محمد البرادعى الليبرالى أو حسنى مبارك «الذى لا تصنيف له»، فإنه مضطر للتعامل مع أمريكا ويصعب عليه أن يتصادم معها أو يعاديها طالما ظللنا متخلفين.
لا اعرف هل عقدت الولايات المتحدة صفقة مع الإخوان ام لا، والمؤكد أنها لم تفعل ذلك مع البرادعى والمعارضة، لكن المؤكد ان ما يشغلها هو مصالحها، ومن يحقق لها مصالحها فهى تؤيده.
لا يريد أنصار التيار الإسلامى أن يفكروا بهدوء أن رئيسهم الإخوانى مضطر للتعامل مع إسرائيل، ولم يقطع العلاقات معها حتى هذه اللحظة، ليس لأنه غير وطنى، ولكن لأن ضرورات السياسة والواقع تفرض عليه ذلك، ويستطيع أن يخرج من هذه الدائرة الجهنمية إذا كان لديه مشروع وطنى شامل يحظى بتوافق عام من غالبية القوى السياسية.
أمريكا عندما طالبت المعارضة بالمشاركة فى الانتخابات فليس لأنها تريد المحافظة على حكم الإخوان، بل تخشى أن تدخل مصر نفقا سياسيا مظلما يؤثر على كل المنطقة ما يهدد مصالح واشنطن المستقرة ويؤثر على تدفق البترول، والأهم قد يهدد طفلتها المدللة إسرائيل.
تلك هى مصالح واشنطن الرئيسية ومن يحققها لها فأهلا وسهلا.
إحدى مشاكل مصر الرئيسية خصوصا لدى المبتدئين فى السياسة هى المواقف الأبيض أو الأسود، فى حين أن غالبية المواقف السياسية رمادية.








