قصة قصيرة بقلم حسين عبدربه *
انكسر ضوء النهار وبدت ملامح الغروب تعلن انسحاب الشمس تدريجياً لتفسح الطريق أمام ليلة جديدة من ليالى الشتاء الطويلة.. ومازال الرجل المسن يجلس على كرسيه فى شرفة منزله وعيناه تتابع حركة السير بالشارع وكأنه يحصى أعداد السائرين من بشر وسيارات.
لم يشعر الرجل بغروب الشمس إلا على صوت خادمته التى دخلت الشرفة لتعلنه بأنها ستغادر المنزل، حيث انتهى موعد عملها.. أنا ماشية يا بيه عايز منى حاجة.. نظر إليها متسائلاً: هى الساعة كام دلوقت: قالت الخادمة: الساعة 5 يا بيه وأنت قاعد فى البلكومة من الظهر.. رد عليها الرجل: يعنى ها أقوم أعمل إيه؟ إجابته الخادمة بحزن.. يا بيه ما ينفعش كدة أنت من ساعة الست الكبيرة ما توفت وأنت لا بتروح هنا ولا هنا وغلط قعدتك كدة لوحدك نظر إليها مبتسماً.. ها أروح فين يا فاطمة هو أنا كان ليا حد غيرها.. كانت الونس والرفيق والصديق.
قالت فاطمة: طب يا بيه ما تروح تزور حد من ولا حضرتك.
قال الرجل: دول من ساعة والدتهم ما أتوفت وأنا ما شفتش حد منهم.. يادوب تليفون كل يومين من أى حد منهم وخلاص.. على العموم روحى أنتى لولادك.. يعنى مش عايز حاجة منى قبل ما أمشى.. لا شكراً.
شعر الرجل المسن بالبرد فقام من مكانه وأغلق شرفته ودخل يتجول داخل مسكنه.. ثم وقف أمام صورة زوجته لدقائق.. حتى سمع رنين تليفونه المحمول فأمسك بالموبايل.. أيوه يا أمجد أزيك.. أزيك يا بابا عامل إيه.. أنا كويس يا ابنى.. ولادك عاملين إيه.. كويسين يا بابا.. طمنى عليك.. هو أنا مش ها أشوفك يا أمجد.. مشغول يا بابا اليومين دول.. ولاولاد عندهم امتحانات.. طيب ابقوا تعالوا فى الإجازة.. إن شاء الله.. إخواتك محيى وشكرى أخبارهم إيه.. كويسين أن كلمتهم الأسبوع اللى فات طيب يا بابا عايز حاجة.. لا يا ابنى.. مع السلامة.
أغلق الرجل المسن تليفونه.. ومشى إلى حيث مكان جهاز التليفزيون وأمسك بالريموت وجلس يشاهد التليفزيون لساعات حتى غلبه النعاس.. فقام إلى فراشه.. وفى صباح اليوم التالى.. فتحت الخادمة الباب وراحت تتجول فى الشقة تبحث عن الرجل المسن فلم تجده كعادته فى الشرفة.. فدخلت غرفة نومه فوجدته نائماً وبينما هى تحاول إيقاظه.. دق جرس الباب.. فذهبت لتجد البواب.. أيوه يا عم إبراهيم خير.. هو البيه صاحى يا فاطمة.. لا لسة نايم.. كنت عايز منه مفاتيح العربية عشان ندورها أحسن بقالها كتير فى الجراج.. لما يصحى يا عم إبراهيم.. وهو أخباره إيه دأنا بقالى كتير ما شفتوش خرج من الشقة.. هو كدة من ساعة الست ما أتوفقت.. يعنى مفيش حد من ولاده بيزوره كمان.. أيوه وكأنهم نسيوه.. مع أنه عمل معاهم كل حاجة علمهم وجوزهم وبقوا فى مراكز كبيرة.. وإيه هيورثوا منه ملايين.. يا راجل ما تفولش على الراجل.. ها أروح أجيب لك المفتاح.. دخلت الخادمة غرفة النوم.. وحاولت إيقاظ الراجل المسن.. إلا أنها وجدته فاقد الوعى لا يتحرك.. فخرجت من الغرفة مسرعة تجاه البواب الذى كان ينتظر عند الباب.. الحقنى يا عم إبراهيم البيه ما بيتحركش روح هات دكتور بسرعة.. وأنا ها أكلم حد من ولاده.. خرج البواب مسرعاً.. وأمسكت هى بالتليفون.. أيوه يا شكرى بيه.. إيه يا فاطمة فيه حاجة.. البيه الكبير جيت أصحيه ما بيردش ولا بيتحرك.. كلمى الدكتور.. هو حضرتك مش جاى.. أنا فى اجتماع دلوقت كلمى الدكتور أو كلمى أمجد أو محيى.. انتهت المكالمة.. واتصلت الخادمة بابنه محيى.. أيوه يا بيه.. البيه الكبير باين عليه تعبان وأنا بعت أجيب دكتور.. طيب عايزة إيه.. أنا ها أبقى أعدى بعد الشغل سلام دلوقت..
أنهت الخادمة المحادثة ودخلت لغرفة النوم لتطمئن على الرجل المسن الذى مازال فاقداً للوعى.. وسرعان ما دق جرس الباب وكان البواب بصحبة الدكتور واستقبلتهما الخادمة إلى غرفة النوم وبدأ الطبيب يفحص المريض.. وراح يستفسر عن بعض الأشياء وتجيبه الخادمة.. وسأل الطبيب: أين زوجته أو أولاده.. الخادمة: زوجته توفت وأولاده كل واحد فى بيته.
الطبيب: هذا الرجل حالته متأخرة ومن الصعب أن يبقى وحيداً إذ قد يصاب بأزمة فى أى وقت ويلزم له من يرافقه وكتب الطبيب روشتة العلاج وأعطاها للخادمة التى أعطتها للبواب ليأتى بالأدوية.
وانصرف الطبيب والبواب.. وظلت الخادمة حائرة وتنظر للرجل المريض بحسرة وآسى وبدأ الرجل المسن يفتح عينيه برفق.. ونظر إلى الخادمة.. صباح الخير يا فاطمة مالك واقفة كدة ليه.. فيه حاجة.. لأ يا بيه الحمد على سلامتك.. سلامتى هو أنا جرى لى إيه.. أبداً حضرتك كنت تعبان والدكتور جه.. وقال إيه.. مفيش حاجة بسيطة.. أبداً أنا عارف أنى تعبان وأن أيامى خلاص قربت يا فاطمة.. ما هو مش ها أقدر أستحمل الوحدة.. وأديكى شايفة عيالى كل واحد مشغول ببيته وأولاده.. طيب يا بيه ما تروح تقعد عند أى حد منهم يبتسم الرجل المسن ابتسامة خفيفة.. مفيش حد هيستحملنى فى السن ده.. معلش يا بيه أزمة وتعدى أروح أجيب لك الفطار عشان تأخد الأدوية اللى راح عم إبراهيم يجيبها.. انصرفت الخادمة تعد الإفطار.. بينما أمسك الرجل المسن بصورة زوجته بصحبة أولاده الثلاثة وراح يحدق النظر فى الصورة.. ثم دخلت الخادمة بالإفطار.. وتبعها البواب وقد أحضر الأدوية ثم انصرف.. انتهى الرجل المسن من تناول الإفطار وناولته الخادمة الدواء الذى قرره الطبيب.
وسأل الرجل المسن الخادمة.. كلمتى حد من الولاد.. أيوه كلمت شكرى بيه ومحى بيه وقالوا هيخلصوا شغل وييجوا لحضرتك.. يعنى عرفوا أنى تعبان ولسه هييجوا بعد الشغل.. كتر خيرهم.
حملت الخادم صينية الإفطار وهمت بالإنصراف من الغرفة وهى تقول: يا بيه محصلش حاجة والحمد لله أنا كنت موجودة، نظراً إليها الرجل المسن، قائلاً: كتر خيرك يا فاطمة ووضع يده فى جيبه وإخرج بعض النقود وأعطاها.. يا بيه لازمته إيه خيرك مغرقنى.. على العموم أنا فى المطبخ لو عايز حاجة نادى علىّ.. ثم خرجت.. ساد الصمت بالمكان بعدما دخل الرجل المسن فى نوم عميق بعد تناول الدواء.. وانغمست الخادمة فى عملها.. ولم يقطع هذا الصمت سوى رنين جرس الباب.. وأسرعت الخادمة تفتح الباب لتجد أمامها أولاد الرجل الثلاثة.. يدخلون عليها.. إزيك يا فاطمة بابا أخباره إيه.. الحمد لله يا بهوات هو خد العلاج ونام.. والدكتور قال إيه.. بصراحة الدكتور قال إنه ما ينفعش يعقد لوحده، لأن حالته خطيرة وممكن يتعب فى أى وقت.. أحد الأبناء اتجه إليها طيب روحى أنتى دلوقت أعملى لنا قهوة.. وطلب منه أشقائه أن يتبعوه لغرفة المكتب.. دخل الثلاثة غرفة المكتب.. وقال أحدهم.. وبعدين هنعمل إيه مش معقول هنسيبه كده لوحده.. رد شقيقه.. خلاص خده عندك.. نظر إليه شقيقه بامتعاض.. ما أنت عارف إن عندى ما ينفعش أنا ومراتى بنشتغل والولاد بيذاكروا.. وبعدين أنت الكبير.. قام الأخ الأكبر من مقعده بعد أن ألقى أخيه عليه بالمسئولية.. أنا كمان بسافر كتير نظرا الاثنين إلى شقيقهما الثالث الذى لم يتحدث.. أنت ساكت ليه.. مش أنت الدلوعة بتاعته.. يعنى أعمل إيه ما أنتم عارفين مراتى لا بابا بيحبها ولا هى هتعرف تخدمه.. تساءل الأخ الأكبر طب وبعدين الموضع واضح أنه هيطول وأبوكم محتاج رعاية حد يقول حل.. صمت الجميع وانشغل كل منهم بالتفكير فى هذا الأمر.. فرد الأخ الأوسط شكرى.. إيه رأيكم نجوزه.. نظرا إليه شقيقيه وقال أحدهم بسخريه.. أيوه يا فالح عشان تضيع الثروة منا لواحدة منعرفهاش.. وقف أمجد الأخ الأكبر وقال طيب إيه رأيكم فى دار المسنين.. نظر الثلاثة إلى بعضهم والله فكرة.. ما ناس كتير هناك وهو أفضل مكان هناك هيلاقى اللى يخدمه ورعاية طبية وعموماً المصاريف مش مشكلة.. وهو إحنا نقدر نزوره طول الأسبوع كل واحد يوم.. اتفقنا.. أه بس إزاى هنقوله ومين هيقدر يقنعه.. دى مشكلة أنتم عارفين أنه مرتبط بالمكان هنا إزاى.. بص مفيش حل غير كدة وإلا عندك حل تانى.. والناس.. ناس مين.. هو إحنا أول ناس أبوها يروح دار مسنين.. أمال الدار دى اتعملت ليه.. دقت الخادمة باب الغرفة لتقدم لهم القهوة.. اتفضلوا يا بهوات.. شكراً يا فاطمة.. على فكرة يا فاطمة إحنا هناخد بابا عندنا خدى حسابك قبل ما تمشى ولما نعوزك هنطلبك.. زى ما أنتم عايزين يا بيه أنا تحت أمركم طالما ده فى الصالح.. عن إذنكم.. مد أحدهم يده فى جيبه وأخرج نقوداً وأعطاها.. شكراً يا بيه أشوف وشكم بخير وخلى بالكم من البيه الكبير.. مع السلامة يا فاطمة.. خرجت الخادمة وأغلقت الباب.. وعاود الأشقاء الثلاثة النقاش كيف سيقنعون والدهم بدار المسنين.. إلى أن تفتق ذهن أحدهم إلى فكرة وقال إحنا لا نقوله ولا حاجة هو هيلاقى نفسه فى دار المسنين ويبقى أمر واقع.. نظر إليه شقيقيه باندهاش.. إزاى.. بصوا إحنا نتأكد أن فاطمة مشيت وندخل لبابا كأننا بنطمن عليه وبعدين نعطيه الدواء ثم عصير وفى العصير مخدر يخليه ينام وناخده على دار المسنيين.. المهم نجهز له شنطة بهدومه واحتياجاته.. وطلب من أحد أشقائه الخروج للتأكد من انصراف الخادمة.. ليبدأوا تنفيذ المهمة.. خرج الابن الأصغر.. وعاد إليهم أيوه مشيت واديتنى المفاتيح.. طيب ياللا ندخل لبابا.. دخل الثلاثة لوالدهم الذى استيقظ على صوت فتح باب الغرفة.. ونظر إليهم.. أنتم جيتم.. أنتم عارفين أنا بقى لى أد إيه ما شفتكوش 3 أسابيع حرام عليكم أنا ما عدش ليا غيركم حتى أولادكم ما بيزرونيش.. سلامتك يا بابا.. انتشر الثلاثة حلوه من جلس على يمينه ومن جلس على يساره ومن وقف أمامه.. وراحوا يتحدثون معه.. حتى خرج أحدهم ليبدأ فى تنفيذ المهمة بعدما طلب والده كوب من الماء.. عاد الابن وهو يحمل فى يده كوب عصير بعد أن وضع فيه المخدر.. أنا جيبت لحضرتك عصير أفضل.. كتر خيرك يا بنى.. شرب الرجل العصير والثلاثة ينظرون إليه بخوف وراح الرجل ينظر إليهم هو الآخر حتى أغمض عينيه.. وبدأوا فى تجهيز حقيبة ملابسه ومنهم من راح يبحث فى أوراقه.. فلمحه شقيقه.. مش وقته الورق بعدين خلينا نخلص دلوقت.. أخرج هات الأسانسير.. وأنت قفل الأبواب والشبابيك.. أنهى الأشقاء مهامهم وعادوا إلى غرفة النوم ليحملوا والدهم النائم إلى دار المسنين.. وعند باب العمارة قابلهم البواب.. على فين يا بهوات.. أبداً يا عم إبراهيم هناخذ بابا.. أحسن حاجة عملتوها يا بهوات دا ما ينفعش يعقد لوحده زى ما قال الدكتور وربنا يخليكوا.. مع السلامة يا عم إبراهيم.. وضع الأشقاء أبيهم فى سيارة أحدهم وطلب الباقين بالسير خلفه بسياراتهم.. انطلق الموكب إلى إحدى دور المسنين.. وأمام دار للمسنين توقف الموكب وأشار أحدهم لأحد عمال الدار.. تعالى من فضلك وهات كرسى متحرك.. جاء العامل بكرسى متحرك ووضعوا الرجل المسن عليه ودخلوا الدار وسألوا عن المسئول وبدأوا فى اتخاذ إجراءات تسكين والدهم.. وانتهت الإجراءات وتحرك أحد العاملين بالرجل إلى غرفته الجديدة.. وسألهم المسئول.. هو نايم ليه هو تعبان ولا حاجة.. رد أحد أبنائه أبداً هو لسه واخد الدوا وحضرتك أتأكدت لما الدكتور بتاعكم كشف عليه.. قال المسئول: أبداً أنا مش قصدى هو حضرتكم ولاده.. أيوه إحنا الثلاثة ولاده وعندنا مشاغل وبنسافركتير وبصراحة لقينا أن هنا هيكون فى أمان ورعاية وإحنا تحت أمرك وأخرج نقود وأعطاها للمسئول تم انتحى به جانباً وقال له.. أديك شايف أنه راجل كبير ومريض ومش هيقعد كتير.. وحلاوتك هتكون 20 ألف جنيه لما تقوللى أن والدك تعيش أنتى.. نظر إليه المسئول مندهشاً وهو يمسك بالنقود وبكارت شخصى للابن.. وانطلق الثلاثة خارج الدار.. وتجمعوا أمام سيارة أحدهم.. وقال أحدهم.. كدة كويس دا أفضل حل دلوقت ولما يفوق هيشعر بالأمر الواقع وبعدين نبقى نفهمه أن ده أفضل له من قعدته لوحده وعشان ما يبقاش تقيل على حد.. المهم حاولوا كل واحد يزوره يوم.. ماشى ياللا مع السلامة..
انصرف كل منهم إلى سيارته بينما وقف مسئول الدار ينظر إليهم فى حيرة..
وفى صباح اليوم التالى استيقظ الرجل المسن ونظر حوله فوجد نفسه فى مكان آخر هذا ليس فراشه وهذه ليست حجرته.. ظل حائراً لفترة ينظر حوله حتى وجد جرس بجانبه فطلبه.. فجاءه أحد العاملين بالدار.. فنظر إليه الرجل المسن.. أنا فين.. حضرتك فى الدار.. دار إيه؟.. دار الوفاء للمسنين.. دار مسنين.. ومين اللى جابنى هنا.. ما أعرفش بصراحة.. من فضلك أنا عايز أعرف أنا جيت إزاى.. ها أسألك المسئول.. خرج العامل وعادو معه المسئول.. خير يا فندم.. أنا جيت هنا إزاى.. مين اللى جابنى.. أولاد حضرتك بالإمارة هم 3.. صمت الرجل وهو يسمع لمسئول الدار وهو يصف له أولاده.. وما أن انتهى المسئول من كلامه.. طلب الرجل المسن من مسئول الدار أن يطلب محاميه ليأتى إليه فى الدار وأعطاه رقم تليفونه.. تأمر بحاجة تانية حضرتك.. شكراً يابنى.. ثم سأله العامل تحب حضرتك تفطر هنا واللا فى الجنينة.. أنا عايز أفطر فى الجنينة.. ثم تحرك الرجل المسن على الكرسى المتحرك إلى الحديقة وجلس إلى إحدى الموائد.. وكان بجانبه عدد من المسنين يجاورونه فى موائد محيطة به.. وظل الرجل يتأمل فى من حوله من المسنين.. إلا أنه راح يتابع رجل يبكى بصوت مرتفع وهو يتحدث إلى الجالس معه تصور ابنى ظل يصرخ فى لكى أخرج من الشقة حتى وقفت على أول السلم.. وهو يحاول أن يلقى بى على السلم وطلبت منه أن يكف.. يا بنى كفاية لحد هنا.. أنا كمان عملت فى أبويا كدة ورميته على درجة السلم دى.. وراح الرجل ينخرط فى البكاء. وصديقه يحاول أن يهون عليه.. واستكمل الرجل حديثه.. أنا مش زعلان فى أنى هنا.. أنا عايز بس ربنا يسامحنى واللى عمله ابنى معايا عقاب ربنا.. استمع الرجل المسن لهذا الحديث فى آسى.. ودخل عليه محاميه الذى بادرة بالتحية.. خير يا شاكر بيه فيه إيه وإيه اللى جابك هنا.. ولادى يا متر.. جابونى هنا وأنا نايم ما.. وشكللى ها أطول هنا لو ليا عمر.. عموماً أنا عايز تكتب دلوقت أن تبرعت بثروتى كلها للدار دى.. نظر إليه المحامى.. يا شاكر بيه فكر كويس وخد راحتك فى التفكير.. ولادك مش هيسكتوا.. لوح له الرجل المسن معترضاً.. مفيش وقت وأنا مُصر علي كدة.. من فضلك نفذ.. أخرج المحامى أوراقه من حقيبته وراح يكتب ما قاله الرجل ثم طلب منه التوقيع.. وطلب مسئول الدار ليخبره بما حدث وطلب منه التحرك لتسجيل الوصية بالشهر العقارى.. انصرف المحامى.. وبقى مسئول الدار مع الرجل المسن يحاول أن يخفف عنه ودخلا فى حديث عن جحود الأبناء فى هذا الزمان.. وطلب الرجل المسن من مسئول الدار أن يأخذه أحد إلى غرفته ليستريح.. جاء العامل وأدار الكرسى المتحرك بالرجل إلى غرفته ودخل فراشه.. لينام..
فى صباح اليوم التالى بدأ عمال الدار يتنشرون فى أنحاء الدار لتنظيف الغرف وإعداد الإفطار للنزلاء.. وقام أح العمال بطرق باب غرفة الرجل المسن.. وظل لوقت قصير لم يجيبه أحد.. فتح الباب ودخل فوجد الرجل المسن لا يزال نائماً.. تحرك العامل فى الغرفة ليفتح النوافذ ويزيح الستائر.. واتجه نحو الرجل المسن ليوقظه.. إلا أن الرجل كان لا يتحرك.. تخوف العامل وراح يحاول إيقاظه ولكن دون جدوى.. أمسك بالتليفون وأخبر مسئول الدار.. فجاء مسئول الدار بصحبة طبيب وراح يفحص الرجل.. وتأكد أنه قد وافته المنية.. فراح مسئول الدار يضرب كف على كف ويردد سبحان الله لا حول ولا قوة إلا بالله وتذكر أبنائه وأخرج الكارت الخاص بأحدهم وأمسك بالتليفون وقال حضرتك فلان أنا فلان من دار المسنين الخبر اللى أنت منتظره حصل.. ابتهج الابن وقال له بجد عموماً أنا جاى أنا وأخواتى وحلاوتك معايا.. لم يمض وقت طويل حتى أتى الأشقاء الثلاثة وأخبرهم المسئول بوفاة والدهم.. فقام أحدهم بكتابة شيك بالمبلغ الذى اتفق معه عليه.. ده المبلغ اللى اتفقعت معاك عليه.. حلاوتك يعنى.. أمسك المسئول بالشيك وهو ينظر إليهم.. وسمع أحدهم يقول لشقيقيه اتصل بالمحامى ييجى علشان نبتدى فى إجراءات الميراث.. وأنا ها أبدأ إجراءات الدفن..
أقبل عليهم مسئول الدار يا أستاذ محامى والدك كان هنا إمبارح اندهش الأشقاء الثلاثة وسألوه مين اللى طلبه.. والدك.. ليه.. والد حضراتكم ابترع بثروته كلها للدار.. واتفضل شيك حضرتك أهو.. عموماً الأمر لله.. أنتم لو كنتم استحملتم والدكم الـ 48 ساعة دول كنتم خدتم كل ثروته لكن أنتم ما قدرتوش تستحملوه فربنا حرمكم من ميراثه..
** حسين عبدربه هو مدير تحرير جريدة البورصة منذ صدورها مطلع 2008