الدولة ترفع شعار «الجيش أولاً» في غياب الإصلاح الاقتصادي
سعت الصين لسنوات طويلة لإقناع كوريا الشمالية بتبني إصلاحات اقتصادية لكن ذلك لم يلق أذاناً صاغية في بيونج يانج أثناء حكم الزعيم الراحل كيم جونج إيل، لكن في اعقاب وفاته تولي ابنه كيم جونج يون السلطة وشعر العالم برغبته في الاهتمام بالجانب الاقتصادي عندما اختار رئيساً للوزراء من خبراء الاقتصاد الإصلاحيين.
وقام رئيس كوريا الشمالية الجديد باستبدال عدد من المسئولين في حكومة رئيس الوزراء الجديد بارك بونج جو من المتخصصين في المجالات الاقتصادية خاصة الصناعية.
يري توري ستانجوران الخبير في الشأن الكوري ان التجربة النووية الثالثة التي أجرتها كوريا الشمالية الشهر الماضي تنفي أي رغبة لدي النظام في التركيز علي إصلاح الاقتصاد الهش القائم علي المعونات الخارجية.
وبخلاف أن الصين تعتبر كوريا الشمالية وسلاحها النووي ورقة سياسية تضغط بها علي الولايات المتحدة واليابان لتحقيق مصالحها الخاصة، فإن الزعيم الكوري الجديد يسعي لإظهار نفسه كرجل الدولة القوي خلفاً لأبيه وحفاظاً علي صورة بلاده كوحش نووي يواجه تمدد سرطان القوي الاستعمارية ويحارب الصعود الأمريكي في المنطقة.
تحتفظ الولايات المتحدة بعشرات الآلاف من جنودها وكميات كبيرة من السلاح في كوريا الجنوبية منذ التوصل لهدنة في 27 يوليو 1953 والتي اوقفت الحرب في شبه الجزيرة الكورية.
أوضح تقرير لمعهد الاقتصاد الكوري أن قوانين الاستثمار في الشطر الشمالي لم تشهد تعديلات مناسبة تسهم في تطوير التعاون الاقتصادي مع الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية.
وفي الحقيقة فإن هذه القوانين لا تشجع حتي الدول الصديقة مثل الصين علي ضخ استثمارات حقيقية في بلاد تعاني من أشد مستويات الفقر في العالم.
وقد اشتكت شركة صينية من أنها تعرضت لعملية نصب اقتصادية كبدتها خسائر تصل إلي 38 مليون دولار، وأكدت أنها ليست الشركة الصينية الوحيدة التي تتعرض لمثل هذه المشكلات.
كما أن إنشاء مجمع صناعي علي الحدود الصينية يواجه صعوبات كبيرة رغم حاجة بيونج يانج لخلق فرص عمل لمواطنيها الذين يعيشون علي المساعدات وينتظرون التوظيف الحكومي ذا الرواتب المحدودة التي لا تكفي لتلبية احتياجاتهم.
تحتل كوريا الشمالية المركز الأخير في تصنيف حرية الاقتصاد العالمي الذي يضم 177 دولة، حيث يشير تقرير مؤسسة هيرتاج صاحبة المؤشر إلي صعوبة الحصول علي بيانات لاقتصاد دولة معزولة وغير مرتبطة بالاقتصاد الدولي. ووصف التقرير كوريا الشمالية بأنها دولة غير إصلاحية وتعتبر ديكتاتورية منغلقة علي الرغم من الإصلاحات الطفيفة التي حدثت في العقد الأخير.
مازالت الدولة تسيطر في كوريا الشمالية علي النشاط الاقتصادي والذي يقوم بالدرجة الأولي علي خدمة الجيش والأهداف العسكرية حيث يعيش السكان علي المعونات من الحكومة ويعتمدون عليها في توفير المسكن والغذاء، لكن نظام الحصص التموينية الذي تتبناه الدولة تدهور في السنوات الأخيرة.
ويبدو أن كوريا الشمالية تسعي إلي فتح اقتصادها قليلاً للاستثمار الأجنبي المباشر ومع ذلك فإن سيطرة الجيش واستمرار توريث الحكم لعائلة كيم لا يبشران بحدوث تغيرات جذرية علي هذا الصعيد.
وتقوم أهم العلاقات التجارية للشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية علي التبادل مع الشطر الجنوبي والصين باعتبارها أهم الشركاء التجاريين.
وعلي الرغم من أن وريث الحكم تلقي تعليمه في سويسرا وعاش في أجواء التحضر والديمقراطية فإن المؤشرات لا تدل علي أنه سوف يغير كثيراً من السياسة التي انتهجها والده وأدت إلي عقوبات دولية وتدهور في العلاقات الخارجية.
وتواجه الحكومة أزمة بسبب انتشار السوق السوداء للبضائع الأساسية بسبب تدهور نظام الدعم الذي يعتمد بشكل كبير علي التعاون مع الصين خصوصاً في جلب البضائع الحيوية للسكان.
يعاني الاقتصاد من مشكلات هيكلية تتمثل في تشريعات عقيمة تحد من حقوق الملكية حيث يعود معظم ملكيتها للدولة وتسيطر الحكومة علي حقوق إنتاج السلع المحلية والواردات والصادرات فضلاً عن عدم وجود نظام قضائي حديث بينما ينتشر الفساد في أجهزة الدولة.
تشير المعلومات إلي ان القيادات في الحزب الحاكم حزب العمال وجيش الشعب فضلاً عن وزراء في الحكومة يمتلكون شركات تتنافس في السيطرة علي العملة الأجنبية.
يغيب عن هذا الاقتصاد السيئ وجود نظام ضريبي كما ان الحكومة تقود وتصدر التعليمات في كل مكان في الاقتصاد حيث هي المسئولة عن تحديد مستوي الإنتاج لجميع السلع وتقوم الشركات المملوكة للدولة بتحقيق نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعتبر الانفاق العسكري أهم الجهات المستفيدة من موارد الدولة المحدودة أصلاً، وهو الأمر الذي ساهم في تفاقم مشكلة السوق السوداء، بسبب نقص المتاح من بضائع في الأسواق وإعطاء الأولوية للجيش في توفير احتياجاته.
وفي ظل السيطرة الحكومية من المستحيل لأي جهة أو فرد أن يؤسس مشروعاً خاصاً، حيث تكون الدولة المصدر الوحيد للتوظيف وبرواتب ثابتة وهو ما يعني التحكم التام في سوق العمل وتنقل الناس بين المدن المختلفة نظراً لضعف الفرص في الحصول علي وظيفة أفضل.
تسببت الإصلاحات الأخيرة الفاشلة في العملة المحلية في ارتفاع معدلات التضخم وتقليص قيمة رأسمال ومدخرات رجال الأعمال في القطاع الخاص المحدود أصلاً.
ويعوق عدم رغبة الشطر الشمالي في تنفيذ إصلاحات اقتصادية كافية إمكانية زيادة التجارة مع الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، كما ان دخول رأس المال الأجنبي محدود جداً حيث يتم التعامل مع كل مشروع في المناطق الصناعية الحرة علي حدة، كما ان هناك نقصاً في التمويل بسبب ضعف القطاع المالي الذي يواجه عقوبات دولية كبيرة بسبب الأنشطة النووية.
تقوم الصين بدور سياسي مهم في دعم الموقف المتشدد لكوريا الشمالية حيث تلتزم بتعويض أي نقص في المساعدات القادمة من اليابان وكوريا الجنوبية، خاصة ان بكين تخشي من تدفق اللاجئين عبر الحدود المشتركة وهو ما قد لا تتحمله دولة تعتبر الأكبر في العالم من حيث عدد السكان.
يساعد هذا الدعم علي استمرار سياسة «الجيش أولاً» التي تتبعها بيونج يانج التي تطمئن بأن احتياجات شعبها الأساسية تكفلها جارتها الكريمة الصين، حيث يعاني ثلث السكان في الشمال من نقص المواد الغذائية وهي ما يؤكد ؟؟؟؟؟؟ الرئيس الجديد بأن الاقتصاد سيكون أولاً.
وتنتشر أمراض سواء التغذية المزمنة بين السكان رغم انخفاضها من 32.3% من المواطنين في 2009 إلي 27.9% في 2012 وهو ما له تأثير شديد علي الأطفال بصفة خاصة ونموهم الطبيعي في ظل نقص الغذاء.
كما ان نسبة الوفيات بين الأطفال أقل من 5 سنوات بلغت 25 حالة وفاة لكل ألف طفل بينما نسبة الوفيات للأطفال عند الولادة 18.5 لكل ألف مولود بحسب تقديرات 2011.