بقلم – خالد حسني مدبولي
هل لجوء مصر إلي المساعدات الاقتصادية الخارجية للخروج من أزمتها الاقتصادية أمر لا مفر منه؟ وإذا كانت هناك بدائل، فما هي؟
تلجأ الدولة إلي المساعدات الخارجية عندما تعاني أزمة مالية أو اقتصادية حادة قصيرة الأجل مثل ارتفاع عجز الموازنة العامة أو عجز ميزان المدفوعات أو انخفاض معدلات النمو الاقتصادي أو تراجع قيمة العملة الوطنية أو غير ذلك، وبحيث لا يكون في إمكانها توفير موارد مالية تغطي مصروفاتها أو تساعد في سداد التزاماتها وديونها الداخلية والخارجية.
وتتنوع تلك المساعدات ما بين قروض ومنح وودائع وشراء للسندات وأذون الخزانة، فالقروض هي شكل من أشكال المساعدات المالية يتم من خلالها تقديم الدولة أو الجهة المانحة قروضاً بشروط معينة وبأسعار فائدة محددة ولمدة معلومة للدولة المقترضة، وهو من الأشكال المعروفة والمعمول بها علي نطاق واسع في تقديم المساعدات المالية.
إلا أنها وسيلة غير مستحبة نظراً لارتفاع تكلفتها وصعوبة شروطها، خاصة لو كانت تلك الشروط تنطوي علي تدخل في سيادة الدولة وسياساتها المالية والاقتصادية، وبما يحمله ذلك من آثار اجتماعية سلبية عديدة علي نسبة كبيرة من طبقات المجتمع خاصة الطبقات الفقيرة والمُعدمة، وأكثر الأمثلة شيوعاً في ذلك المجال قروض صندوق النقد الدولي المثيرة للجدل.
أما المنح «أو الهبات» فهي مبالغ مالية تقدمها الدول أو الجهات المانحة بدون أي شروط أو محددات مسبقة للدولة صاحبة الأزمة المالية، وبحيث لا تُطالَب تلك الدولة برد هذه المبالغ مرة أخري للمانحين.
أما الوديعة فهي أموال تقوم الدولة أو الجهة المانحة بإيداعها في البنك المركزي للدولة التي تعاني من أزمة مالية، بحيث تستطيع – الجهة المانحة – سحب تلك الأموال وقتما شاءت. وتكون تلك الودائع عادة بأسعار فائدة وأحياناً بدون. وتعد الودائع من صور المساعدات المالية التي تساعد علي توفير سيولة نقدية سريعة في الدولة المتأزمة مالياً تساعدها في تكوين احتياطي أجنبي وسد العجز الطارئ في الموازنة العامة.
أما آخر صورة من صور المساعدات الخارجية فهي قيام الدولة المانحة بشراء سندات حكومية أو أذون خزانة تصدرها الدولة صاحبة الأزمة، إلا أن ذلك ينطوي علي تكلفة عالية نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة لتلك السندات أو الأذون خاصة مع ارتفاع درجة المخاطر السياسية والاقتصادية في الدولة المتأزمة.
وقد عرفت مصر المساعدات الخارجية منذ النصف الثاني من السبعينيات في أعقاب انتهاء حرب أكتوبر 1973 وخروج الاقتصاد المصري منهكاً من سنوات الحرب الطويلة الممتدة من عام 1967. وتنوعت تلك المساعدات ما بين قروض أو منح من الولايات المتحدة أو أوروبا أو بعض الدول العربية الشقيقة خاصة دول الخليج.
وارتفعت قيمة تلك المساعدات في صورة ديون علي مصر خلال فترات الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية، ليبلغ إجمالي قيمة الدين الخارجي لمصر نحو 38،8 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2012 وبنسبة 13،8% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكان أشهر تلك المساعدات ما حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي بداية التسعينيات مع تبني برنامج إصلاح اقتصادي هيكلي تضمن العديد من السياسات المالية والنقدية واستمر العمل به طوال عقد التسعينيات تقريباً.
إلي جانب ديون نادي باريس التي لجأت إليها مصر في أواخر الثمانينيات للمساعدة في سداد جزء من ديونها المتراكمة خلال تلك الحقبة ودعمها في عملية التنمية الاقتصادية، والتي تم سداد جزء كبير منها في عام 1991 في أعقاب مشاركة مصر في حرب تحرير الكويت بعد الغزو العراقي.
وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011 ومع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في مصر، لجأت مصر إلي الاقتراض من الجهات والمؤسسات المالية الدولية المانحة وعلي رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلي جانب بعض الدول العربية «خاصة الخليجية» وعلي رأسها السعودية وقطر. بالإضافة إلي دول أخري مثل تركيا والولايات المتحدة والصين.
وقد بلغ إجمالي قيمة المساعدات المقدمة لمصر «سواء القروض أو المنح أو الودائع في البنك المركزي المصري أو شراء السندات الحكومية» من مختلف الدول والمؤسسات المانحة خلال العامين الماضيين منذ ثورة يناير وحتي الآن ما يقرب من 11 مليار دولار، بالإضافة إلي التفاوض المستمر مع صندوق النقد الدولي للحصول علي 4.8 مليار دولار.
لكن هل يوجد بالفعل بديل للمساعدات الخارجية لمصر ؟ والإجابة بالطبع نعم، حيث أنه توجد بدائل عديدة أهمها :
عودة العمل والتشغيل والانتاج «الذي يتطلب بالطبع التقليل من الوقفات الاحتجاجية والإضرابات والتظاهرات»، وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون وجود هدف شعبي قومي يلتف حوله الجميع ويطمحون لإنجازه من خلال تسخير جميع طاقات وموارد الأمة المادية والبشرية.
ضرورة تخفيض النفقات خاصة التي تتسم بالبذخ والترف الزائد في المصالح والهيئات الحكومية وشركات القطاع العام.
محاولة تقليل الدعم المقدم للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل الحديد والأسمنت والأسمدة.
الارتقاء بمستوي جودة المنتج المصري حتي ينافس المنتجات الأجنبية، ومن ثم زيادة الصادرات المصرية.
إعادة إحياء قطاع الزراعة المصري لإنتاج منتجات كانت تتميز مصر فيها بمزايا نسبية كبيرة مثل القطن والقمح والخضروات والفاكهة وغيرها.
وبذلك وبشرط خلاص النوايا الصادقة من جميع أطرف المجتمع «حكومة وأحزاب وشعب» تستطيع مصر الاستغناء تدريجياً عن المساعدات الخارجية، مع إمكانية اللجوء إليها في الوقت الراهن لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية قصيرة الأجل «عجز الموازنة العامة، انخفاض قيمة الجنيه، تراجع الاحتياطيات الأجنبية، تراجع معدلات الإنتاج، هبوط الاستثمارات، انخفاض موارد النقد الأجنبي في مصر وغيرها» والتي تحتاج حلولاً عاجلة وطارئة لن يسعف الوقت لحلها بالحلول التي تم اقتراحها سابقاً وذلك لأنها تتطلب مزيداً من الوقت والجهد.
وشريطة ألا يتم استخدام تلك القروض والمساعدات في سد عجز الموازنة وتسديد الديون دون استخدامها في مشروعات تنموية، وكذلك ألا يصاحبها شروط قاسية تزيد عبء المديونية علي الدولة، ومن ثم يدفع ثمنها جانب كبير من المواطنين في المجتمع حالياً ومستقبلاً.








