عندما يكون والدك ثرياً وعصامياً ومحباً لأعمال الخير، مع فطنة تجارية متقدة في الـ84 من عمره، تتجاوز نظيرتها عند معظم رائدي الأعمال الأصغر سناً، فقد يبدو الاحتماء تحت جناحه أمراً مغرياً أكثر من السير بشجاعة علي خطاه.
لكن كاميليا الفايد ذات الـ28 ربيعاً تفضل القيام بأمر مختلف، إذ ان ابنة رجل الأعمال المصري محمد الفايد، الذي اشتُهر بتحقيق نجاح مذهل في إدارة «هارودز Harrods» وفندق «ريتز Ritz»، تعمل علي المزج بين إرث العائلة من ناحية، وقدر مناسب من الاستقلالية في ريادة الأعمال من ناحية أخري، وبينما تفخر بحمل راية العائلة عبر مشاركة فاعلة في «مؤسسة الفايد الخيرية Al fayed Charitable Foundation» تطمح سيدة الأعمال الشابة إلي تكوين إرثها الخاص بوصفها رئيسة مجلس الإدارة، والمالكة لحصة 51% في ماركة الأزياء البرازيلية «Issa» وتعزيز انتشارها عالمياً.
عندما اشتري محمد الفايد متجر الأزياء الالكتروني «كوكوسا Cocosa» من «باور ميديا Bauer Media» في عام 2010، مقابل مبلغ لم يتم الافصاح عنه، بدا منطقيا ان تقوم ابنته المتمرسة بانطلاقتها الأولي في عالم الأزياء، لكن كاميليا الفايد اختارت المضي في طريق مستقل بالسير علي خطي أبيها، فقد استحوذت عام 2011 علي الحصة الأكبر في «Issa» العلامة التجارية المعروفة ببصماتها الواضحة وعشاقها من المشاهير، بدءاً من دوقة كامبريدج وحتي اسطورة البوب مادونا وبمساعدة موسسة الشركة ومديرة قسم الابتكار دانييلا هليل، تقود الرئيسة الانيقة لمجلس الإدارة التوسع التجاري لـ«Issa» بنجاح ملحوظ.
وبالرغم من المحافظة علي سرية المعلومات المالية، فإن كاميليا تعطينا لمحة عن مدي التقدم الذي احرزته منذ انضمامها إلي الشركة، إذ تقول: «عندما استحوذت علي هذه الحصة في «Issa» كانت الايرادات السنوية تناهز 7.57 مليون دولار، ومن خلال تطوير العمليات التجارية والطريقة التي تتعامل بها مع زبائننا ارتفع هذا الرقم الآن إلي نحو 15.14 مليون دولار».
قبل 18 شهراً فقط، كانت «Issa» عبارة عن شركة للتوزيع بالجملة فقط، لكن العلامة التجارية تطورت منذ ذلك الحين، فتم اطلاق متجرها الالكتروني واستجابت للطلب الآتي من اليابان والبرازيل بفتح أول متاجر التجزئة للشركة في هذا العام. وبالنظر إلي التطورات السريعة التي تضع العلامة التجارية علي الطريق الصحيح لتحقيق نجاح تجاري أكبر، تشيد الفايد بأعضاء فريقها الإداري وتصفهم بالرائعين.
وتشدد أنجلينا إيبما المديرة التنفيذية للشركة في لندن علي ان الفايد التي تصفها بالذكية والداعمة تقوم بلعب دور جوهري في هذا العمل، إذ تقول: «كاميليا حازمة جداً ولديها رؤية واضحة تجاه هذه العلامة التجارية»، كما انها تحرص دوما علي مواكبة التقدم، فقد أقرت خطة عمل لمدة 3 سنوات تالية في ديسمبر 2012، ثم تضيف إيبما: «تشارك كاميليا في كل مرحلة من مراحل الخطة التي ننفذها».
وفي حديثها عن الدخول في عالم الموضة، توضح الفايد التي شحذت شغفها لهذا المجال بالعمل في «فوغ Vogue» بأنها وقعت في حب المجموعة الأولي لـ«Issa» فور رؤيتها. لكن حماسها الشخصي لهذه العلامة البرازيلية تخالطه عقلية تجارية تذكرنا بوالدها وتؤكد قائلة: «ما كنت لاستثمر في هذا القطاع لو لم أكن متأكدة من أن الأعمال تقوم علي أساس صلب، وأن هناك احتمالية لتحقيق عوائد مغرية».
لقد كان الدافع وراء هذا الاستثمار لدي الفايد، هو استغلال الفرصة الواضحة التي تتيحها العلامة التجارية، فالهوية المختلفة والأسعار المنافسة والدعم الثابت والجاذبية الواسعة، تعد من بين المزايا التي تهدف الفايد إلي نشرها عالمياً، في ظل وجود مؤشرات إيجابية من الزبائن في العالم العربي، تقول متحمسة: «خطوتنا التالية ستكون بالتركيز علي منطقة الشرق الأوسط علي صعيد التجزئة، فأنا اعتقد انها ستكون سوقاً مدهشة للغاية لنا علي المدي الطويل».
في الحقيقة، تملك «Issa» موطئ قدم ثابتة في المنطقة فعلا، فالعلامة التجارية قد باشرت بتقديم منتجاتها إلي المتاجر الضخمة الشهيرة والمحلات ذات الماركات المتنوعة في دول الخليج وبلاد الشام منذ مواسم عدة محققة في ذلك نجاحاً ملحوظاً توضح السيدة المسئولة عن تطوير العلامة التجارية بالقول: «تحرز مجموعتنا اصداء طيبة لدي المستهلكين المحللين والاجانب».
ونظراً لشعبية «Issa» في الشرق الأوسط، سعي العديد من الشركاء المحتملين للحصول علي حقوق امتياز من شركة الفايد لغرض افتتاح متاجر مستقلة لـ«Issa» وفيما باتت إحدي هذه الصفقات في حكم المؤكدة، تقول الفايد: «يسعدنا ان نقول إننا اخترنا شركة مهمة لنعطيها امتيازا بفتح 9 متاجر لنا، بدءاً من الكويت في نوفمبر».
يحتل تنوع المنتجات أهمية توازي أهمية الانتشار الجغرافي، وتشير الفايد إلي ذلك قائلة: «تقتضي استراتيجيتنا بعيدة المدي تطوير «Issa» من علامة تجارية ترتكز علي صناعة الألبسة علي نحو رئيس، إلي ماركة عالمية تتعلق بأسلوب الحياة حقا، أما الغاية علي المدي المتوسط فهي بالسعي إلي تعزيز الأعمال، إذ تنوي «Issa» تطوير خطوط انتاجها الخاصة بملابس الأطفال والاكسسوارات واللوازم المنزلية، ومن المقرر أيضاً عقد تعاون مستقبلي مع أسماء مهمة مثلك متجر «سي آند آيه C&A» ومتجر الأزياء «بانانا ريببلك Banana Republic» لتعزيز الروابط مع العملاء الجدد في المناطق غير الحائزة علي حقوق الامتياز.
بالنظر إلي المستقبل، تحرص الابنة التي تشبه أباها علي متابعة عمليات النمو التي تشهدها «Issa» فيما تجوب الأفق بحثاً عن فرص استثمارية جديدة، ويدل علي ذلك قولها: «اعتزم القيام باستثمارات اضافية في أعمال أخري عندما يحين الوقت المناسب».
واليوم، أصبحت كاميليا الفايد والأم المتفانية لابنة تدعي لونا سيدة أعمال متألقة بمجهودها الخاص، ومن ناحية أخري كان لوالدها أثر ملحوظ، وذلك بديهي حين ننظر إلي سجله الريادي الذي يمتد لأكثر من 55 عاماً «وأكثر من ذلك اذا احتسبنا قيامه ببيع الليموناضة لزملائه أثناء مرحلة الدراسة في الإسكندرية». وفيما تصف كاميليا أمها الفنلندية هيني واذن «عارضة الازياء السابقة» بأنها تمثل مصدر القوة وصوت العقل، الا انها ورثت حماسها للأعمال التجارية من رب الأسرة تقول موضحة: «علمني والدي كيف أدير الأعمال، وكيف اتخذ قرارات صائبة في العمل، وكيف أكون علامة تجارية وأنميها ان معرفته لا حدود لها، كما ان نصائحه ثمينة للغاية».
اغتنم محمد الفايد أول فرصة تجارية له في العام 1955 عندما أنشأ شركة «جينافكو Genavco» مع أخويه علي وصالح. ثم اتجه للعب دور مهم في ترميم البنية التحتية في دبي، بدءاً من أحواض السفن الجافة وناطحات السحاب إلي التنقيب عن النفط، وفي أواخر السبعينيات والثمانينيات وضع بصمته الخالدة في مجال الضيافة والتجزئة، إذ استحوذ علي فندق «ريتز» في باريس، ثم متجر «هارودز» الفاخر في لندن، والذي استثمر فيه ما يزيد علي 605 ملايين دولار خلال أول 25 عاماً من ملكيته له، وعلي الرغم من بيع «هارودز» إلي «قطر القابضة Qatar Holding» في عام 2010 مقابل 2.3 مليار دولار، فإن محمد الفايد لا يزال الرئيس الفخري للمتجر.
واليوم مع ملكيته لنادي كرة القدم الانجليزي، ووجود تلك القصور الاسكتلندية ضمن مصالحه الواسعة، والتي تجمع بين الاعمال التجارية والمتعة يواصل رجل الأعمال المحنك تشكيل جزء من نسيج المجتمع البريطاني ناهيك عن دوره المهم في اقتصاد البلاد ويظل مخلصا لجذوره المصرية في الوقت نفسه.
وبالرغم من ولادة كاميليا الفايد ونشأتها في المملكة المتحدة حيث إقامة عائلتها، إلا انها كبرت وهي تحمل حساً قوياً بهويتها وتشرح ذلك بالقول: «أشعر أني قريبة جداً من جذوري المصرية بسبب والدي، فهو لم يتخل يوما عن ارتباطه بثقافته، حتي في ظل وجوده خارج مصر لمدة طويلة».
ومثل معظم الآباء كان محمد الفايد شخصية مؤثرة في حياة ابنته، لكن تأثيره لا يتوقف عند الوفاء لجذور العائلة اذا ما نظرنا إلي الدور الكبير الذي تلعبه «مؤسسة الفايد الخيرية» والتي انشأها في عام 1987 لتكون رسالتها: تحسين نوعية الحياة للأطفال الفقراء والمصابين بأمراض تهدد حياتهم. توضح قائلة: «بدأت زيارة المستشفيات ودور الرعاية مع أبي عندما كنت مراهقة. لقد ترك ذلك أثراً عميقا في نفسي في سن صغيرة، ما شجعني علي أداء دور أكثر فاعلية عندما كبرت».
وتعد كاميليا الفايد شخصية محورية في مجلس أمناء المؤسسة التي تبرعت في العام الماضي وحده بما يزيد علي 1.5 مليون دولار لدعم الأطفال، وبعد توليها منصب سفيرة المؤسسة في عام 2005، أصبحت الآن أيضاً راعية للعديد من الاعمال الخيرية التي تدعمها المؤسسة وتتضمن مشروعات مجلس الامناء: مهرجان الموسيقي والفنون «لون فيست Lawnfest» الذي يجمع الأموال لإعادة بناء حياة الشباب من ضحايا الصدمات العاطفية الحادة، وتمويل الدورات التدريبية لإعداد ممرضات متخصصات تدعي كل واحدة منهن «ممرضة كاميليا Camilla Nurse» كي تعمل علي تقديم الرعاية والدعم للأطفال الرضع، تقول الفايد موضحة: «هذه مجرد أمثلة علي النهج الذي سأتبعه في مواصلة إرث والدي الذي تكون قبل سنوات عديدة».
وعند سؤالها عما ستقرر فعله إذا خيرت بين الأعمال التجارية وفعل الخير، أجابت السيدة الواثقة بالقول: «فعل الخير، لأنني محظوظة بوجودي في مكانة تتيح لي إحداث فارق ملموس».
وتري سوزي ماثيس مديرة العمل الخيري لدي مؤسسة الفايد الخيرية، ان المجلس ترعاه أيد أمينة، إذ تقول: «لدي كاميليا ووالدها شغف كبير برعاية الأطفال وتحسين أوضاعهم. لقد تتلمذت علي يد أفضل معلم!» مبرهنة بذلك علي ان دور كاميليا يتعدي كونه إجراء شكلياً وتضيف ماثيس ان هذه السيدة المحسنة تعمل علي تعزيز أي مشروع مقترح بسيل من الافكار، إذ تقول: «لا يشعر المرء بأي نوع من الملل في حضور كاميليا».
في الحقيقة، ومع انتقال مجلس الأمناء الخيري من نجاح إلي آخر، وازدهار شركة الموضة التي تطلق العنان لنفسها نحو العالمية، فإن «الملل» وكاميليا الفايد لا يلتقيان أبداً. وبينما تسير نحو المستقبل، علي خطي والدها وليس في ظله، لا تظهر الفايد سيدة الأعمال والأم والناشطة الخيرية أي مؤشرات علي رغبتها في ترك عملها للانغماس في متع الحياة.
تقول كاميليا: «سأركز في عام 2013 علي الانتقال بمؤسسة الفايد الخيرية نحو الأمام، وعلي دعم التوسع العالمي لعلامة «Issa»، وربما انجاب المزيد من الأطفال.. من يدري؟».








