مع انهيار بلاده ونظامه من حوله، يبدو أن بشار الأسد قد تجاوز كل الحدود، فبالرغم من أنه لم يتم التأكد من الادعاءات القائلة بأنه استخدم الأسلحة الكيميائية ضد الثوار الذين يحاولون الإطاحة به، فإن العديد من مراقبي الصراع السوري علي يقين من أنه قد استخدمها ليختبر الأسد بذلك إلي أي مدي يسمح له العالم بذبح شعبه من أجل إنقاذ نفسه.
في الماضي عندما كانت تمثل القوة خطراً حقيقياً علي سوريا، كان الرئيس الأسد مثله مثل أبيه حافظ الأسد الذي ورث عنه حكم سوريا، يميل إلي التراجع، ولكن هذه المعركة، التي ناضل فيها علي مدار العامين الماضيين وفشل في الانتصار، بالنسبة للأسد مسألة حياة أو موت، وبات ذلك واضحا من الوحشية التي ينتهجها الأسد ليحافظ علي حكمه كما أنه علي إستعداد لتمزيق سوريا وأهلها إذا لم يتمكن من إمتلاكهما ثم ينثر الاشلاء علي المنطقة القابلة للاحتراق التي ظل يهدد باشعالها.
إذا تجاهلت الولايات المتحدة وحلفاؤها استخدام الأسد المحدود لغاز السارين، سوف يستخدم النظام السوري المزيد من الأسلحة الكيماوية في الصراع، وعلي الجانب الآخر، اذا عزم معارضو الأسد من العرب والغربيين التدخل بقوة أكثر، فقد يختار نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ملاذه الاخير للمقاومة.
لا يوجد أي حلول مضمونة النجاح أبدا في هذا الصراع المأساوي، ولكن مازالت هناك خيارات، فمع ازدياد احتمالية التدخل الغربي في سوريا، فالسؤال الأول هو لماذا يجازف نظام الأسد؟
تردد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في التورط في حرب أخري بالشرق الأوسط كان جزءا من حسابات الأسد جنبا إلي جنب مع الانقسامات داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث وقفت روسيا بجانبه، وتكتيكات نظام الأسد بالرغم من بشاعتها لم تزدهم الا يأسا حيث أثبتت الحلول الأمنية لعائلة الأسد أنها غير فعالة.
إن عائلة الأسد استخدمت كل ما لديها من أسلحة خلال انتهاكاتها المتتابعة، وهم الآن لا يفكرون كدولة بل كميليشيا واسعة النفوذ تصمم علي استمرار فتح الطريق عبر حمص باتجاه الساحل الشمالي الغربي والمعقل الجبلي للعلويين الذين يمثلون الأقلية الشيعية حيث تم تأسيس محافظتهم الامنية في اللاذقية.
ويمتلك النظام قسمين رئيسيين من النخبة العلوية لكنه لم يعد يثق تماما في الجيش الذي ما زال موجودا ولو علي الورق كقوة نظامية، فلماذا يلجأ إلي طائرات الهيلكوبتر لالقاء براميل البترول المحملة بالمواد المتفجرة علي مناطق المعارضة؟ السبب هو أنه يشك في ولاء الطيارين الذين يمكنهم قيادة طائرات حربية من نوع القاذفات لان معظمهم من الاغلبية السنية.
وحل محل الجيش شبكة قومية واسعة من المسلحين معظمهم من العلويين ممثلين عن أقليات اخري منها المسيحية حيث يخشي جميعهم من صعود تيار الاسلام الراديكالي من بين الطائفة السنية التي تمثل الاغلبية رافعين شعار من ليس معنا فهو ضدنا. كما تنتشر قوات حزب الله الشيعي اللبناني لتقاتل بجوار ميليشيات الأسد لضمان توفير مسار آمن من حمص إلي الحدود اللبنانية.
وفي حال فشل عمل هذه الميليشيات فمن المؤكد أن النظام سيلجأ للقذائف الكيماوية لاخلاء هذه المناطق من السكان بعد ارهابهم ودفعهم للرحيل وقد أكد شيخ قبيلة علوية كبيرة أن مسلحيهم موجودون بالقرب من حمص ومدججون بالاسلحة الكيماوية وسوف يستخدمونها.
يتعين علي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أن تتحركا سريعا ودعم المعارضة السورية التي ما زالت أعدادها وفيرة وتقديم السلاح اللازم لمقاومة طائرات الأسد وعتاده، وإنشاء حكومة مؤقتة في الأراضي المحررة، سوف يتطلب ذلك حتما تدمير القوة العسكرية السورية ودفاعاتها الجوية وربما تكليف قوات خاصة بتأمين أو إتلاف الأسلحة الكيماوية في البلاد.
يجب أن يكون هناك أيضا هجوم استخباراتي، واستخدام تكتيكات كتلك التي تم استخدامها ضد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وسلوبودان ميلوسوفيتش في صربيا. بالإضافة إلي ذلك يجب أن تحرص المعارضة السورية وحلفاؤها علي الحصول علي ضمانات لحماية الأقليات في سوريا.
أخيرا وليس آخرا يجب ان تتم مواجهة روسيا بشكل دبلوماسي، من المفترض أن يكون استخدام الأسلحة الكيماوية بمثابة خط أحمر بالنسبة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما بالنسبة للرئيس الامريكي، باراك أوباما.
بقلم: ديفيد جاردنر
المصدر: فاينانشيال تايمز








