السؤال هنا يكمن فيما اذا كانت دولة نامية مثل تركيا قادرة علي الحفاظ علي هذا النمو الاقتصادي السريع
تعد الأحداث الأخيرة في ميدان التقسيم تذكيرا صارخا بأن البنية التحتية لمؤسسات تركيا مازالت ضعيفة
أخذ الاقتصاد التركي في الازدهار علي مدار عقد كامل مكتسبا ثناء كبيرا ليس فقط من الأسواق المالية بل أيضا من قبل خبراء التنمية الاقتصادية مثل جيفري ساكس، فما إذن السبب وراء المظاهرات السلمية التي بدأت في ميدان التقسيم بأسطنبول وتحولت إلي حركة احتجاج وطنية واسعة النطاق مع مئات الآلاف من الناس ينزلون إلي الشوارع محتجين علي حكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان؟
لقد أشاد ساكس وغيره عن حق بحكومة أردوغان لسياساتها الاقتصادية والتي أدت إلي معدل نمو أعلي، ولكن السؤال هنا يكمن فيما اذا كانت دولة نامية مثل تركيا قادرة علي الحفاظ علي هذا النمو الاقتصادي السريع اذا كانت تلك الحكومة نفسها تقوض الحريات الاساسية وتعوق تقدم المؤسسات الرئيسية اللازمة لتحقيق النجاح علي المدي الطويل.
سلط رد الفعل الوحشي لحكومة أردوغان علي هذه الاحتجاجات الضوء علي تلك المعضلة، ففي البداية تجمع اقل من مائتي متظاهر سلميا في محاولة منهم لحماية ميدان التقسيم – المساحة الخضراء الوحيدة الباقية في وسط اسطنبول- من بناء مركز تجاري اخر ومع تشدد الحكومة وتبني اردوغان موقفا في خطاباته يتسم بالتحدي، ازداد عدد المحتجين واستمروا في الازدياد بالرغم من استخدام الشرطة القوة المفرطة.
صحيح أن الناتج المحلي الاجمالي لتركيا نما بنسبة %5 في المتوسط خلال العقد الماضي تحت حكم حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، ولكن لا ينبغي أن يجعل ذلك أحداً يستنتج أن قصة تنمية تركيا هي قصة ناجحة، فاذا كنا قد تعلمنا شيئاً من الابحاث المكثفة علي النمو والتنمية الذين تشهدهما تركيا الان، فهو ان مفتاح التقدم المستدام يكمن في هيكل مؤسسات البلاد.
فالمؤسسات تجسد وتعزز قوانين المجتمع والتي تتكون من قيود غير رسمية كالعادات والتقاليد وقواعد رسمية كالدساتير والقوانين واللوائح، وهذه المؤسسات تشكل بنية الاقتصاد.
هناك فرق مهم بين السياسات والمؤسسات، فالسياسات تعكس الخيارات التي تتم داخل الهيكل السياسي والاجتماعي أي داخل مجموعة من المؤسسات التي تؤثر في نهاية المطاف علي الأداء الاقتصادي، فحقوق الملكية علي سبيل المثال تؤثر علي قرارات الاستثمار من خلال حماية رجال الاعمال من مخاطر نزع الملكية والقضاء المستقل ضروري لضمان تنفيذ تلك الحقوق.
لاتزال تركيا تفتقر إلي المؤسسات التي تعد بالغة الاهمية لتحقيق التقدم علي المدي الطويل، وفي السنوات الاخيرة، تم إجراء العديد من الابحاث حول تلك العلاقة المعقدة بين الثقافة والمؤسسات حيث تفرض الثقافة العديد من القيود غير الرسمية علي المؤسسات، فهل ستتمكن تركيا من قيادة الطريق وسط البلدان الاسلامية في إظهار أن الثقافة المتحفظة لا تفرض قيودا علي نوع المؤسسات اللازمة لتحقيق النمو المستدام والتنمية؟
إن نجاح تركيا من حيث النمو الاقتصادي مبهر حقا، فقد لعبت السياسات المالية والنقدية الحكيمة وتطهير النظام المصرفي بعد أزمة 2000-2001 والاستثمار في البنية التحتية دورا كبيرا، كما ان هذه السياسات حركت عملية النمو الانتقالي أو اللحاق بالركب حيث ان النمو المطرد لتركيا أخذ يسد فجوة الدخل بينها وبين البلدان الغنية.
ولكن ينبغي الا نخلط بين النمو الانتقالي والنجاح طويل المدي الذي يتطلب مؤسسات قوية بما في ذلك حماية حقوق الملكية والحريات المدنية، فمن المبكر جدا ان نسأل «كيف حققت تركيا هذا الازدهار؟» وتقوم الاجابة علي سياسات تدعم النمو علي المدي القصير من شأنها أن تتبخر ان لم يتم تطويرها بشكل صحيح.
تعد الأحداث الأخيرة في ميدان التقسيم تذكيرا صارخا بأن البنية التحتية لمؤسسات تركيا مازالت ضعيفة، إن الناس مازالت في الشوارع ويبدو انهم ليسوا في عجلة للعودة إلي منازلهم، فإنني أسمعهم يهتفون وانا أكتب تلك المقالة «الديمقراطية دون حرية ليست ديمقراطية».
بقلم : سيبنيم كاليملي أوزكان
المصدر : بروجيكت سينديكيت








