أصبح الصراع من أجل سوريا الآن عنصرا حاسما في الحرب الباردة بين إيران الشيعية ومنافسيها السُنة
هل أطلقت سوريا عنان حرب دينية من شأنها أن تنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط؟ هذا السؤال يثيره في أغلب الأوقات المحللون السياسيون الغربيون مع ازدياد حدة التوترات بين السُنة والشيعة وازدياد حدة التهديدات التي تشكلها الآثار الجانبية لتلك التوترات.
فقد غذي تدخل حزب الله اللبناني، الحليف الإيراني القوي والجماعة الشيعية المسلحة، إلي جانب النظام السوري مخاوف الصراع الطائفي، حيث تعد أحد مبررات تدخل حزب الله في سوريا طائفية بطبعها حيث لعب علي مخاوف تقويض السُنة المتطرفين للأقلية الشيعية في سوريا، ذلك الدافع الذي جعل جميع الجماعات غير السنية لاتزال موالية لنظام بشار الأسد.
تدخل حزب الله، الذي ضمن للنظام السوري السيطرة علي مدينة القصير، أثار غضب رجال الدين السُنة الذين نفسوا عن غضبهم من المكاسب العسكرية التي حققها الأسد بإيحاءات طائفية خطيرة، حيث دعا الشيخ يوسف القرضاوي، أحد أبرز رجال الدين السُنة، المسلمين السنة للانضمام إلي المعركة ضد الأسد، قائلاً: «كيف يمكن لمائة مليون شيعي في جميع أنحاء العالم ان يهزموا 1.7 مليار سني»، ما يشير إلي ان هناك توترات طائفية آخذة في الارتفاع وراء سوريا.
فعندما ننظر إلي الجنوب نجد أن لبنان الذي يعاني استقطاباً جراء الصراع بين حزب الله ومعارضيه السُنة، معرض الآن للمعاناة من انتشار صراع طائفي عنيف، كما يخشي العراق تجدد الحرب الطائفية التي اعقبت الغزو الأمريكي في 2003.
وفي الوقت ذاته، تخوض المملكة العربية السعودية، اكبر قوي سُنية في المنطقة، حرباً بالوكالة ضد إيران الشيعية في سوريا، حيث تعد السعودية جنباً إلي جنب مع قطر وتركيا الداعمين الرئيسيين للثوار السوريين، إلا ان اسس الصراعات المشتعلة اليوم سياسية وليست دينية، حيث يتم استغلال الانقسامات الطائفية من قبل الطغاه في محاولة منهم للبقاء في السلطة.
في سوريا حيث الأغلبية السُنية، تقوم المعارضة ضد قمع النظام وليس انتماءات عائلة الأسد العلوية كما ان العلوين لا يعتبرون نفسهم جزءاً من الشيعة او يساهمون في اعمالهم، وبالرغم من ذلك نجح النظام في استخدام الأقليات الدينية في البلاد لتعزيز دعم تلك الاقليات للنظام مدعياً أنه يحارب التهديد الذي يشكله المتطرفون السُنة، وقد نجحت تلك الاستراتيجية إلي حد ما حيث اصبح المقاتلون الثوار اكثر تطرفا وانضم الجهاديون إلي المعركة.
ورغم ارتفاع عمليات القتل الطائفي، غالبا ما تعتبر المعارضة السورية صراعها ضد النظام وليس المجتمع العلوي أو المسيحيين والشيعة.
أصبح الصراع من أجل سوريا الآن عنصرا حاسما في الحرب الباردة بين إيران الشيعية ومنافسيها السُنة.
بالرغم من أن ما يسمي «محور المقاومة» – تحالف راديكالي معاد للغرب يمتد من النظام الاسلامي في طهران مرورا بسوريا إلي حزب الله في لبنان – كان آخذاً في الارتفاع بعد حرب العراق عام 2003، فإن القوي السنية في الخليج جنبا إلي جنب مع تركيا ظهرت لتكون لها اليد العليا منذ الانتفاضات العربية التي اندلعت عام 2011.
يقول مسئولو الشيعة في كل من لبنان والعراق إن سقوط النظام السوري قد يهدد وجود حزب الله في لبنان ويدعم حزب البعث السني السابق في العراق، ولهذا السبب نجد ان إيران وحزب الله اللذان كثيرا ما حصلا علي دعم السُنة في رسالتهما المناهضة للغرب والاسرائيليين علي استعداد لفقدان هذا الدعم والارتداد إلي نهج اكثر طائفية.
ومن الواضح ان حسابات إيران وحزب الله تنطوي علي انه حتي في حالة تأجج خطر الانقسامات الطائفية سيكونون قادرين علي ايقاف الخطر الملموس من قبل الدول السنية وتجنب صراع اقليمي اكبر.
تلك اللعبة الخطيرة قد تنتهي بتحقيق عكس ما هو مأمول وهو انتشار الكراهية الطائفية بشكل اكثر شراسة خارج الحدود السورية.
بقلم: رولا خلف
المصدر: فاينانشيال تايمز