بقلم : مايك هايبرت المدير العام لشركة إنفور الشرق الأوسط
احتل موضوع “البيانات الكبيرة” العناوين الرئيسية في قطاع تقنية المعلومات مؤخراً، فمن الصعوبة بمكان لدى تصفحك لموقع تقني على شبكة الانترنت أو قراءة نشرة تقنية ما الانتهاء منها دون المرور على مقال يدور حول هذا الموضوع، وبالطبع يكمن وراء هذا الاهتمام الكبير الكثير من الأسباب الوجيهة، فنحن نعيش في عالم تزداد فيه المعلومات والبيانات بوتيرة متسارعة، ويذكر أن 90 بالمائة من البيانات في جميع أنحاء العالم تم إنشاءها خلال العامين الماضيين فقط، وتشير تقديرات مؤسسة الاستشارات البحثية IDC أنه بحلول العام 2020 سيبلغ حجم التعاملات التجارية عبر شبكة الانترنت، بما فيها الأعمال التجارية بين الشركات والأعمال التجارية التي تستهدف المستهلك، حوالي 450 مليار معاملة في اليوم الواحد. فمعدل إنشاء البيانات الناتجة عن التطبيقات البرمجية مروراً بمواقع التواصل الاجتماعي وصولاً لنتائج البحث على الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني، تنمو بوتيرة هائلة وأُسيّة مع عدم وجود أي علامة على تباطؤ هذا النمو.
ومن المستغرب أن الشركات نظرت إلى المعلومات ولسنوات عديدة على أنها الكأس المقدس للميزة التنافسية، حيث دأبت على ترديد عبارة “لو توفرت لدينا قاعدة بيانات أكبر للعملاء، لو أننا على إطلاع أشمل بأنماط حركة السوق، لو أن بإمكان تجهيزاتنا إخبارنا متى سيهبط السوق”، وبغمضة عين انتقلنا من مرحلة البحث والتعطش للمعلومات إلى مرحلة الغرق بكمٍ هائل منها، مما دفعنا لطرح السؤال التالي: “ماذا سنفعل الآن؟”، فالكثيرون يعتقدون بأن الجواب يكمن في البيانات الكبيرة، وهي المفتاح لتحويل كلمة “لو كان” إلى حقيقة واقعة.
بالرغم من كل هذا الاهتمام، فإن المعنى الحقيقي لـ “البيانات الكبيرة” وتطبيقاتها ليست واضحة المعالم في معظم الأحيان، ولكن مفهومها بسيط إلى حد ما،فمبدأ تقنية “البيانات الكبيرة” يحمل من اسمه الكثير، وهي كميات كبيرة من المعلومات تنمو بوتيرة متسارعة، وهو ما يمكن الإشارة إليها على أنها البيانات التي تم إنشاءها مسبقاً في إطار عمل الشركة من خلال استخدام الأنظمة أو الأجهزة المتنوعة، مثل نتائج عمليات التصنيع أو أنماط شراء العملاء، وعلى نطاق أوسع هي البيانات التي تتوفر للشركات من أجل القيام بعمليات الشراء، والتي يتم استقاؤها من مصادر مختلفة مثل وسائل الإعلام الاجتماعية أو مزودي خدمات البحث على شبكة الإنترنت.
وتنتج هذه المسألة عندما يصبح حجم البيانات كبيراً جداً بحيث لا يمكن إدارتها بشكل فعال ومجدي من خلال الطرق التقليدية “المعالجة المتتابعة”، وعليه إذا استغرقت عملية معالجة كميات كبيرة من البيانات عدة ساعات أو حتى أيام، فسرعان ما ستفقد المعلومات قيمتها. لذا ظهرت الحاجة لوجود حلول عملية مصممة لمعالجة كميات البيانات الضخمة، وذلك من أجل تحويلها من مد المعلومات التسونامي هذا إلى منجم ذهب من المعلومات. وبسبب هذه الضجة الكبيرة حول الموضوع، أدركت الشركات مدى أهمية ألا تفوتها ظاهرة “البيانات الكبيرة”، كما أن واقع الأمر يخبرنا بأننا بعيدون عن الوصول إلى المرحلة التي تحظى فيها نسبة صغيرة فقط من الشركات بمشاكل مع “البيانات الكبيرة”. ومن جهة أخرى، فإن فرص الحصول على “البيانات الكبيرة” هو سيف ذو حدين، فحقيقة أن المعلومات تشكل ميزة تنافسية لا لبس فيها، وهي أكثر قابلية للتطبيق في وقنا الحالي مما كانت عليه في أي وقت مضى، ولكن السؤال يكمن فيما إذا كانت “البيانات الكبيرة” تحمل المفتاح لتحقيق الهدف المنشود، بالنسبة للبعض فإن الجواب سيكون نعم وبقوة، أما بالنسبة للآخرين فإن “البيانات الكبيرة” يمكن أن تكون مكلفة وغير ضرورية.
كيف بإمكانك معرفة نقاط ضعف شركتك؟ بالإمكان تلخيص بعض من أفضل النصائح حول كيفية معالجة مسألة “البيانات الكبيرة” من خلال طريقة النصح المتكرر التي أسديها لأطفالي:
– حضروا طاولة الطعام: الخطوة الأولى في أي مشروع بيانات (كبير أم غير ذلك) يتمثل في تحديد الهدف الذي تسعى لتحقيقه بوضوح، فضلاً عن أنه من المفيد وضع صورة بصرية أو إطار عمل أنت بصدد تحقيقه، والذي من شأنه تنظيم شؤون العمل وتحويل نقاط ضعفه إلى مبادرات قابلة للتنفيذ. ومع كل هذه الجلبة حول مفهوم “البيانات الكبيرة”، فإنه من السهل الخروج بمبادرة ذات أهداف متغيرة مع الزمن، فتحديد متطلباتك مسبقاً يساعد على معرفة فيما إذا كانت “البيانات الكبيرة” هي الجواب المنشود، وحدد المتغيرات التي ستطرأ فيما لو باشرت بها.
– تناول ما هو متوفر في المطبخ: تملك العديد من الشركات بيانات قيمة جاهزة وتنتظر استثمارها بمساعدة الذكاء التجاري والأدوات التحليلية، وقبل افتراض الحاجة إلى مبادرة مكلفة بشأن “البيانات الكبيرة”، حدد ما هي البيانات التي بحوزتك وفيما إذا كان بإمكانك تحقيق أهدافك بمساعدة الأدوات الموجودة. وبالإمكان دمج القدرات الإضافية بطريقة غير مخلة، الأمر يتيح الاستفادة القصوى من المعلومات التي لديك، وذلك عن طريق توفير رؤية أفضل وأكثر اتساقاً للبيانات، واستثمارها بالشكل الأمثل. وبإمكان التطبيقات التحليلية التي تحيط بالمعلومات القائمة وأنظمة مسح المعاملات الضوئية إدارة بياناتك بفعالية، وتقديم مجموعة من الفوائد الأخرى مثل إعطاء المستخدمين غير التقنيين لوحات إرشادية بسيطة تساعدهم على استهداف مشاكل وفرص معينة، وتقديم المعلومات مباشرة وتلقائياً للمستخدمين حتى يتغلبوا على المشاكل واتخاذ القرارات الأفضل، وجعل التعاون جزءً أساسياً من إجراءات عملك.
– أنهي الطعام الموجود في طبقك قبل طلب المزيد: كمية البيانات الجديدة المتاحة اليوم مغرية جداً، فنحن نملك مجموعة مربكة من الخيارات المتاحة بدءً من موقع الأمازون حتى الفيسبوك، والتي تبدو مهيأة لفتح فرص جديدة وغير مستغلة سابقاً. ومع ذلك، قد تكون البيانات التي لديك بذات القيمة، إن لم تكن ذات قيمة أكبر، وذلك بسبب نوعيتها وجودتها. وفي مرحلة ما، سينتج لديك تناقض بالنتائج بسبب إضافة المزيد من البيانات إلى مجموعتك، وذلك بسبب قدرة مصادر البيانات الكثيرة جداً على خلق حالة تدعى بـ “شلل التحليل”، ولاسيما بالنسبة للعامل العادي. لذا فإن تحسين قدرتك على تقديم روية مركزية في العمل إلى جانب سير آلية العمل المستهدفة من المرجح أن تخدمك بشكل أفضل من التركيز على الوقت والطاقة، والذي قد يعود عليك بفائدة كبيرة بمعزل عن التشويش الخارجي. أما النهج الأفضل فيتمثل بالتأكد من أنك تعي تماماً ما هو ضروري وموجود مسبقاً وبالإمكان استثماره في عملك، وذلك قبل اتخاذ مبادرات البيانات الجديدة والتي قد تكون معقدة ومكلفة.
– تناول طعامك بلقيمات صغيرة: عندما تكون على استعداد للخوض في “البيانات الكبيرة”، ابدأ التعامل مع نموذج أولي وحدد عملياتك قبل الشروع في مبادرة رئيسية. وبمجرد حصولك على استراتيجيه قياسية في كان العمل بالإمكان الاستفادة منها في البيانات الداخلية الخاصة بالشركة وتقديم الدعم المستمر، من المهم تبسيط العمليات التجارية للشركة والوقوف على جزء بسيط من العمل وربطه بمصادر جديدة للبيانات، وذلك من أجل معرفة فيما إذا كانت الفوائد تفوق التكاليف وإضاعة الوقت. إن عملية جس النبض والحصول على النتائج ستساعدك على إبقاء الأمور تحت السيطرة، وعلى إجراء تقييم أفضل للعوائد الحقيقية المتوقعة من “البيانات الكبيرة” بالنسبة لعملك.
تملك “البيانات الكبيرة” القدرة على تقديم قيمة كبيرة، ولكن حجم تلك الإمكانات والسبل الأكثر فعالية لاستثمارها لا يزالان قيد الدراسة والبحث، فالشركات التي تراقب وتضع الخطط وتعمل في الوقت المناسب ستحظى بنتائج وخدمات جيدة جداً.