يجب أن يدرك جميع المصريين أن أحدا لن يفوز وسوف يخسر جميعهم في اللحظة التي يتوقفون عن التعاون
الاخوان المسلمون وغيرها من الاحزاب الإسلامية من المرجح ان تفوز علي المدي القريب في الانتخابات البرلمانية
خيم الانقسام علي المشهد السياسي المصري أكثر من أي وقت مضي، ويتطلع جميع الأطراف من إسلاميين والليبراليين إلي الانتصار في معركة السلطة ويرفض الجميع بذل أي جهد لاستيعاب الأزمة أو تقديم تنازلات، وحال استمر الوضع علي ما هو عليه، قد تتعقد الأمور وتصل البلاد إلي حافة الهاوية وتصبح أمام خطر حقيقي ويخشي الكثيرون من تكرار نموذج الجزائر، لذلك يجب ان تسير مصر علي خطي تونس.
تنذر الأحداث الأخيرة بعلامات شؤم، وردود الأفعال حيال الإطاحة بالرئيس محمد مرسي داخل مصر وخارجها بسيطة للغاية، حيث إن الصورة إما سوداء أو بيضاء، فإن موقف الجيش إما أنه يوصف بانقلاب عسكري أو دفاعا عن الديمقراطية.
لكن بدلا من البحث عن شخص ما لإلقاء اللوم عليه، يجب أن يدرك جميع المصريين أن أحدا لن يفوز وسوف يخسر جميعهم في اللحظة التي يتوقفون عن التعاون.
تحاول القوي الإسلامية والعلمانية اقصاء الآخر عند كل منعطف، عندما فاز الاخوان المسلمون في الانتخابات الديمقراطية، وأعدوا دستورا لم يحظ بتوافق جميع القوي السياسية ولا معظم شرائح الشعب، الا أن الاخوان كان لديهم أمان راسخ بأن فوزهم في الانتخابات منحهم تفويضا مطلقا في اتخاذ أي قرارات سياسية وانتابهم أحساس ان التفويض أعطاهم الحق في تغيير سلوك المجتمع.
ورغم أن مصر مجتمع محافظ، وغالبية المواطنين لا يريدون من حكومتهم أن تملي عليهم كيفية التصرف عندما يتعلق الأمر بالدين، لذلك تدفق أكثر من 10 ملايين مواطن إلي الشوارع أي اكثر من المتظاهرين الذين أطاحوا بالرئيس السابق حسني مبارك، ومن الواضح أن شريحة كبيرة من المجتمع شعرت بالاستقصاء أعقاب ثورة 25 يناير.
لم تتصرف القوي العلمانية بشكل أفضل، وفي سابقة خطيرة توقفت احزابها وقاداتها عن محاولة العمل مع الإسلاميين داخل النظام الديمقراطي ولجأوا بدلا من ذلك إلي الجيش، وفي هذه المرحلة الحرجة لم يفعلوا ما يكفي لاحتواء الاخوان المسلمين، ولن يكون في القريب العاجل مجال للتحدث عن كيفية التصدي للتحديات القاسية التي تواجهها مصر وكيفية انهاء الأزمة التي افتعلها الجيش بتضييق الخناق علي الإسلاميين والقبض علي المئات منهم دون توجيه تهمة واضحة.
لم يكن الإسلاميون أوالعلمانيون علي صواب إذا اعتقد أي من الطرفين بإمكانه بناء مصر الجديدة بمفرده، ومن المستحيل أن تحقق الدولة النجاح إذا حكم حزب واحد، لذلك ينبغي أن يعي الجميع أن المرحلة الانتقالية كانت تسير في الاتجاه الخاطئ منذ البداية وحتي يمكن تجنب الاستمرار في هذا المسار، يجب ان يتوقف جميع الأطراف الصراع وأن يعملوا معا.
أولا: مصر في حاجة إلي مشروع قانون للحقوق يحفظ المبادئ الأساسية للدولة، وأن يضمن حقوق كل مواطن بغض النظر عن الدين، وحقوق الاقليات، والتداول السلمي للسلطة، وبعد ذلك يمكن استخدام هذا القانون في الاتفاق علي دستور كامل جديد، ينبغي أن يقوم هذا علي التوافق،وأن يشارك فيه جميع الاطراف، أي مثل الدستور الذي وضعه التونسيون، ويجب ألا يعكس الدستور رغبات البعض فقط، وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم امكانية أي قوي اقصاء الأخرين أو إملاء قواعد السلوك علي المجتمع المصري.
يجب انجاز كل ذلك قبل إجراء الانتخابات، ومن الضروري ادراك ان عزل مرسي لا يعني أن الإسلاميين أصبحوا خارج اللعبة، ومن غير المرجح أن يفوز مرشح إسلامي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الا أن الاخوان المسلمون وغيرها من الاحزاب الإسلامية من المرجح ان تفوز علي المدي القريب في الانتخابات البرلمانية.
وانطلاقا من هذه النقطة، نجد أن مصر أمام طريقين، فإما ان تتبع المسار التونسي وتشكل حكومة ائتلافية شاملة بحيث تظل التوترات سائدة ولكن التقدم يكون واضحا، أو تتبع المسار الجزائري من الاستقطاب العميق وربما الحرب الاهلية.
اذا زعمت القوي العلمانية الانتصار واستحوذت علي كل المناصب ورفض الإسلاميون التعلم من اخطائهم، سوف تعود مصر إلي نقطة البداية، وحتي لو استمر الوضع الراهن، فإنها تواجه استمرار تدهور موقفها السياسي والاقتصادي، ومازال أمام البلاد الفرصة لاختيار مصيرها، ولكن السبيل الوحيد للإسلاميين والعلمانيين للخروج من الأزمة هو التعاون.
بقلم : مروان المعشر
المصدر: فاينانشيال تايمز