البلدان التي حققت اعظم نجاحاتها تشهد إما ثورة مضادة أو حرباً اهلية أو انهيار الحكومة
الثورات مثل المعارك يفوز بها من يرتكب اقل الاخطاء والجميع بالغ في دوره وأفرط في تقدير قوته
هل تحول الربيع العربي إلي كارثة؟ هل عاد العالم العربي إلي الحالة التي كان عليها في خمسينيات القرن العشرين عندما كانت السلطة ضعيفة وتتصارع الأحزاب والجماعات المختلفة علي السلطة والتدخل الأجنبي كان متكرراً وسهلا؟
اذا كانت التطورات السياسية والاجتماعية متشابهة مع تلك التي شهدها العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، فهل ستكون نتيجة الاضطرابات واحدة؟ فقد كان الحكم الاستبدادي الذي بدأ عادة بأنظمة عسكرية وصلت إلي الحكم من خلال انقلاب هو نتيجة الاضطرابات حينئذ ثم تحولت تلك الأنظمة في سبعينيات القرن الماضي إلي دول بوليسية، وكان مبرر تلك الدول هو ضرورة قيام دولة قوية من اجل قمع الانقسامات المزمنة داخليا وضمان الاستقلال الوطني في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والامريكية والايرانية أو القوي الاستعمارية القديمة.
بعد عامين ونصف العام من انتفاضات 2011، نجد أن البلدان التي حققت اعظم نجاحاتها تشهد إما ثورة مضادة أو حرباً اهلية أو انهيار الحكومة، ففي مصر هتف النشطاء المدنيين لإطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو الجاري ورغم كل الدلائل انكروا انه انقلاب عسكري، وبعد ذلك تجاهلهم الجيش إلي حد كبير وعاد موظفو عهد مبارك بثقة إلي العمل مرة اخري، وأغدقت الدول المؤيدة للديمقراطية وحقوق الانسان – السعودية والامارات العربية المتحدة والكويت- مصر بالنقدية والقروض التي بلغت 12 مليار دولار من أجل أن تطفو سفينة مبارك الثانية.
هناك سبب واضح لهزيمة أو احباط الثوار حيث إن نجاحهم ضد البلدان البوليسية في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن جاء نتيجة وجود تحالف قوي من مختلف القوي العدائية السابقة ضد الوضع الراهن، اما البحرين فتعد مختلفة قليلا لأن قمع الدولة المدعوم من السعودية ودول الخليج كان عنيفا جدا وسريعا، ففي مصر علي سبيل المثال تحالفت النخبة الليبرالية المثقفة مع الأصوليين الاسلاميين، كما رحب العديد من الأقباط بالاطاحة بنظام مبارك الذي بدلا من حمايتهم قام بالتلاعب بهم وقمعهم.
سقطت الانظمة القديمة أو ترنحت لانها كانت تحتضر وفاسدة كما أنها أُخذت علي حين غرة، وقد ساهمت اقتصادات السوق الحر في زعزعة استقرار الوضع الراهن من خلال الخصخصة، التي بلغت فيها السرقة ذروتها، ولم يستفد منها سوي الدائرة المقربة من اعوان النظام، وزادت عدم المساواة.
تضم جميع الثورات أشخاصاً مختلفين يوحدون صفوفهم للحظة ضد الوضع الراهن وينظروا إلي الحلفاء الاجانب من أجل دعمهم، فهل كان سينتصر الامريكيون في حرب الاستقلال دون دعم حلفائهم الفرنسيين؟ وماذا لو لم يضع الجيش الالماني الثوري روسي لينين في ذلك القطار ليتمكن من الذهاب إلي روسيا؟ فالثورتان الروسية والامريكية كانتا ستحدثان، ولكن نتائجهما وأرثهما كانا من الممكن ان يكونا مختلفين.
تتطلب الثورات عنصر الخداع الذاتي من جانب ابطالها، حيث إنهم لا ينظرون بدقة إلي دوافع ونوايا حلفائهم المؤقتين، ولكن في الربيع العربي فإن الاختلافات بين معارضي الوضع الراهن كانت كبيرة منذ البداية وازداد الانقسام سوءا، ونجد أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مستاءة من انتهاكات قوات بشار الاسد لحقوق الانسان في حين ينتقدون بلطف التعذيب والاعتقالات في البحرين.
الثورات مثل المعارك يفوز بها من يرتكب اقل الاخطاء والجميع في ثورات الربيع بالغ في دوره وأفرط في تقدير قوته، والرئيس المخلوع محمد مرسي والاخوان المسلمين قاموا بعرض عبقري لتدمير الذات، لذلك عادت المشاكل الوخيمة، التي عانها العالم العربي في خمسينيات القرن الماضي إلي مصر وغيرها من بلدان الربيع العربي، ولكن بشكل انتقامي.
بقلم: باتريك كوكبرن
المصدر:صحيفة الاندبندنت البريطانية