وعندما تهدأ الشوارع، يجب علي الحكومة الانتقالية إعداد ميثاق اجتماعي يحقق مطالب «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»
ويتوقف كل ذلك علي التزام الحكمة في الأيام القادمة، وإلا سوف تنزلق مصر إلي فوضي
منذ عام، أصبح واضحاً أن الربيع العربي لن ينجح في مصر إلا بفتح الطريق المسدود بين الإسلاميين والعلمانيين، وهو ما لم يحدث، والآن يتطلب الوضع ميثاق اجتماعي جديد يتضمن وقف الاحتجاجات.
فشل الرئيس السابق محمد مرسي في خلق ديمقراطية شاملة خلال عامه في الرئاسة، كما أن دعوة وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، للمصريين بالنزول إلي الشوارع في 26 يوليو من أجل تفويضه «لمحاربة العنف والإرهاب المحتملين» يعرض البلاد للمزيد من التصادم.
وما تمر به مصر الآن هو مرحلة ثالثة من الثورة، وهي غالبا الأخطر لأنها تبدد أي أمل لتحسن الاقتصاد، المحرك الرئيسي لانتفاضة 2011 ضد الرئيس السابق حسني مبارك والتمرد ضد ضد مرسي.
ويعود معظم اللوم في الحالة السيئة للاقتصاد إلي حكومة الإخوان المسلمين برئاسة مرسي، فلم يرتفع النمو سوي 2.2% في 2012، وهي نسبة هزيلة لاقتصاد ناشئ لشعب شاب، خاصة أن علامات التحسن ضئيلة، أضف إلي ذلك انكماش الاقتصاد 3.7% في الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من الحالي.
وكان الرد علي هذا الأداء السيء موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات العمالية وغيرها، وشهدت مصر أكثر من 3800 مظاهرة العام الماضي، أكثر من نصفها كان من قبل عمال، و%36 لموظفين حكوميين، طبقا للمركز المصري للحقوق الاقتصاددية والاجتماعية.
وإذا تسببت المظاهرات التي دعا إليها السيسي والإخوان المسلمون في تعميق الاستقطاب والعنف، فإن الحكومة الانتقالية لن يصبح بقدورها فعل الكثير أو فعل أي شيء علي الإطلاق للاقتصاد، وحتي لا تسقط مصر في الفوضي ينبغي اتخاذ خطوات للحيلولة دون ذلك.
أولها التفاوض من أجل التوصل لتوافق يضمن للجماعات الإسلامية عدم الإقصاء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي في المستقبل، وفي المقابل عليهم نبذ العنف، والموافقة علي فصل الدين عن السياسة، واحترام حقوق المرأة والمسيحيين والأقليات،وهو ما يحتاج إلي محايدين من الداخل والخارج
وعندما تهدأ الشوارع، يجب علي الحكومة الانتقالية إعداد ميثاق اجتماعي يحقق مطالب «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» التي – دائما – يرفعها المحتجون الذي يجب عليهم العودة إلي أعمالهم والموافقة علي هدنة لمدة عام خال من المظاهرات، ويجب أن تقدم الحكومة مساعدات مالية لإعادة فتح 4600 شركات أغلقت أبوابها في يناير 2011.
كما ينبغي أن يكون الميثاق الاجتماعي الجديد موضوع حوار صريح داخل المجتمع، وأن يوقع عليه ممثلون من النقابات العمالية، ورجال الأعمال، وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك الإخوان المسلمين وقيادات المعارضة مثل “تمرد”.
أما ثاني هذه الخطوات فتتمثل في وضع الحكومة لخطة تعافي طارئة لمدة عام تتضمن مراجعات كبيرة لموازنة العام المالي 2013 – 2014 تساهم في تقليل العجز والدعم، وأن تبذل الحكومة جهودا ضخمة لإعادة الأمن لتشجيع السياح والمستثمرين الأجانب علي العودة إلي مصر، وبرنامج توظيف قومي يركز علي دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص.
تحقيق كل ما سبق يتطلب عودة سريعة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن القرض البالغة قيمته 4.8 مليار دولار.
والأولوية الثالثة هي التوصل لخطة متوسطة المدي للسنوات الخمس القادمة تستهدف استعادة النمو السريع وتوفير الوظائف للشباب، وينبغي أن تشمل هذه الخطة مشروع قومي كبير لتطوير الصناعة في ممر قناة السويس، بالإضافة إلي مشروعات ممولة من قبل القطاعين العام والخاص لتعزيز الاستثمارات الخاصة.
ويتوقف كل ذلك علي التزام الحكمة في الأيام القادمة، وإلا سوف تنزلق مصر إلي فوضي وخلاف مدني قد يبعدان مصر عن العملية الديمقراطية الوليدة التي بدأت منذ عامين ونصف العام.
بقلم: سمير رضوان
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج








