دعم الطاقة والسلع التموينية ومساهمات الخزانة لدعم صناديق المعاشات تستحوذ علي 86% من مخصصات الحماية الاجتماعية بالموازنة
كشفت دراسة حصلت ” البورصة ” على نسخة منها عن وضع الحماية الاجتماعية في مصر أن مصر تحتاج لصياغة إستراتيجية شاملة للحماية الاجتماعية حيث انها ليس لديها سوي مجموعة من البرامج المتفرقة تشرف علي بعضها الدولة والبعض الاخر منظمات المجتمع المدني ، ولا تحصل الا علي جزء يسير من تمويل الجهات المانحة ، كمل لا يوجد أي تكامل بين هذه البرامج نتيجة لعدم التنسيق بين الجهات المعنية سواء القائمة بالتخطيط لهذه البرامج أو القائمة علي تنفيذها.
واضافت الدراسة التي أعدتها الدكتورة ميرفت صابرين ، الباحثة الاقتصادية بوزارة التأمينات الاجتماعية الي ان الحكومة ركزت منذ منتصف التسعينات علي محور واحد فقط من الحماية الاجتماعية وهو التأمين الاجتماعي والذي يشمل نظم التأمينات الاجتماعية وتامين البطالة والتامين الصحي، وهذه النظم لم تحقق الكثير في مواجهة ظاهرة الفقر، كما انها تعاني من اختلالات هيكلية دفعت الحكومات السابقة لأعداد حزمة من القوانين لتحسين النظام وزيادة فعاليته الا ان عدم الجدية والتردد في تحمل الاعباء ادت الي إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية الجديد بعد اقراره وتنفيذ عدد من مواده مثل الية رفع المعاشات المنخفضة وكذلك لم تنجح الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير 2011 في الانتهاء من قانون التامين الصحي الشامل واقراره من الجهات التشريعية حتي الان، كذلك نظام تامين البطالة والذي تنص عليه قوانين التأمينات الاجتماعية الحالية ولكنه غير مفعل ولا يستفيد المؤمن عليهم سواء في القطاع الحكومي او القطاع الخاص من تأمين البطالة رغم اقتطاع اشتراكات شهرية من اجورهم لتمويله.
وأكدت الدراسة أن هذا الخلل في وضع الحماية الاجتماعية تعكسه بيانات الموازنة العامة وأرقام الناتج المحلي الإجمالي في مصر خلال الفترة 2009/2010-2013/2014 المنشورة من قبل وزارة المالية، والتي تكشف عن تراجع مخصصات برامج الحماية الاجتماعية كنسبة من اجمالي الانفاق العام بالموازنة فمن 123.1 مليار جنيه تمثل 33.6% من اجمالي الانفاق العام عام 2009/2010 الي نحو 200 مليار جنيه تمثل 29% من مخصصات الموازنة العامة الجديدة.
وهو قد يكون احد عوامل ارتفاع نسبة الفقراء من 21.6% من اجمالي عدد السكان عام 2009 الي 25.2% العام الحالي. هذا بخلاف استحواذ التعليم والصحة على نحو 17.1% من إجمالي المصروفات العامة وفقاً للتصنيف الوظيفي.
ورغم ذلك كشفت الدراسة عن تحسن نسبي في مخصصات عدد من البرامج الاجتماعية بجانب وضع برامج جديدة، فمثلا تتضمن الموازنة الجديدة 8.8 مليار جنيه لتمويل زيادة الحد الأدنى للأجور وهو ما لم يكن موجودا من قبل، ايضا ارتفع دعم المزارعين من 400 مليون جنيه عام 2009 الي 3 مليارات جنيه العام المالي الحالي، بجانب زيادة دعم التامين الصحي والادوية بنحو 2.4 مليار جنيه وزيادة دعم مياه الشرب والمواصلات بنحو 800 مليون جنيه و500 مليون جنيه اضافية لدعم الطلبة لتصل مخصصاتهم بالموازنة العامة الي 1.1 مليار جنيه ايضا انخفض دعم الاسكان لمحمدوي الدخل من 1.6 مليار جنيه الي مخصصات معاش الضمان الاجتماعي والطفل والمزايا العينية والنقدية المقدمة لاسر الضمان ارتفعت من 1.5 مليار جنيه الي 3.4 مليار جنيه، كما تضاعفت مخصصات دعم السلع التموينية والخبز لتصل الي نحو 31 مليار جنيه كما ارتفع دعم الطاقة من 94 مليار جنيه عام 2009 الي 113 مليار جنيه العام المالي الحالي، ايضا مساهمات الخزانة العامة في صناديق التأمينات الاجتماعية ارتفعت من 2.4 مليار جنيه الي 29.2 مليار جنيه.
وبتحليل ارقام تلك المخصصات اوضحت الدراسة ان دعم الطاقة والسلع التموينية ومساهمات الخزانة لصناديق المعاشات تستحوذ علي 86% من مخصصات الحماية الاجتماعية بالموازنة العامة، والبرنامجين الاول والثاني يشهدان تسرب باكثر من 45% من مخصصاتهم سواء لغير المستحقين او بسبب التهريب وسرقة المواد المدعمة.
ايضا فان دعم صناديق المعاشات يستحوذ علي 9 اضاعف الدعم الموجه لبرنامج الضمان الاجتماعي والذي يمنح مساعدات للأسر الفقيرة، وهو ما يتعارض مع حقيقة ان
نظام المعاشات المصري هو نظام يقوم علي الاشتراكات من موظفي الدولة والمجتمع المدني وبالتالي فهو يضمن خطر انخفاض الدخل لأشخاص لا يدخلون في دائرة الفقر.
وهذا الوضع يطرح اهمية وضع خطة متكاملة للحماية الاجتماعية لمصر علي المدي المتوسط يكون هدفها الاساسي الحد من الفقر وحماية الفئات الضعيفة من خلال انتهاج آلية فعالة ومستدامة لإدارة المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والكوارث الطبيعية. ترتكز محاورها علي تعزيز تكافؤ الفرص وتوفير البيئة الملائمة التي تساعد الأفراد والأسر على تغير سبل عيشهم والتكيف في وجه تلك الازمات والمخاطر.
وتستهدف الاستراتيجية المقترحة مجالات الحماية الاجتماعية الرئيسية وهي أربعة مجالات: المساعدات الاجتماعية (تشمل الدعم العيني والنقدي، والمساعدات والمزايا الاجتماعية الأخرى)، حماية الطفل (تعليم، صحة، السكن، والتغذية)، والتامين الاجتماعي (يشمل التامين الصحي والتأمينات الاجتماعية، تامين البطالة، والتأمينات التكميلية)، برامج الحماية الموجهة لسوق العمل من خلال التدريب وتوفير فرص العمل والتمويل المتوسط والمتناهي الصغر.
وطالبت الدراسة بالتركيز عند تنفيذ تلك المجالات الاربعة الرئيسية علي عدة محاور وهي شمول التغطية والمزايا المقدمة حيث لم تصل اي من برامج الحماية المقدمة الي مستوي التغطية الشاملة فهي تغطي شرائح من المجتمع تتراوح ما بين 56%-70% في مجال التامين الصحي، والتأمينات الاجتماعية.
كما يجب ان يكون الهدف الاساسي مساعدة الفئات الضعيفة والتركيز على قضايا المساواة بين الجنسين،وتحديد برامج الحماية المختلفة بناء علي استهداف الفئات العمرية الخمسة لدورة الحياة حيث تختلف برامج الحماية الاجتماعية الموجهة لكل فئة عمرية عن الفئات الأخرى فالطفل منذ مولده وحتي 5 سنوات يحتاج لبرامج خاصة بالرعاية الصحية والتغذية وتسجيل المواليد، في حين ان الافراد في الفئة العمرية 25 45 سنة يحتاجون لبرامج تركز علي تنمية راس المال البشري، ومواجهة المخاطر الصحية، والبطالة والمخاطر المصاحبة العمل، ومعالجة عدم القدرة علي الالتحاق بوظيفة وخسارة عائل الاسرة.
واضافت الدراسة ان من العناصر المهمة ايضا ضمان الاستدامة المالية والادارة الرشيدة لبرامج الحماية وذلك من خلال التنسيق والتكامل بين الجهات المعنية والقائمة علي التخطيط والتنفيذ واتباع النهج المتكامل بحيث يتم تحديد دور كل من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في استراتيجية الحماية الاجتماعي، مع التركيز علي دعم المجتمع المدني اما عن طريق الموازنة العامة او الصناديق الخاصة او الاقتصار علي دعمه لوجستيا وخدميا.
وغالبا ما يواجه صانعي السياسات معضلة عند وضع استراتيجية شاملة للحماية الاجتماعية وهي عدم توافر الموارد المالية الكافية لتمويل الخطط والبرامج المطلوبة وتطرح الدراسة خمسة اليات لخلق حيز مالي في الموازنة العامة لتمويل هذه البرامج وهي: العمل علي زيادة معدلات النمو بما يسهم في زيادة الايرادات العامة ، خفض اجمالي الدين الخارجي، إعادة ترتيب اولويات الانفاق علي برامج الحماية الاجتماعية المختلفة، رفع كفاءة ادارة المال العام، زيادة المنح والمساعدات الخارجية.
وبالنظر الي الآليات السابقة نجد ان الحكومة تعمل في هذا الاتجاه بالفعل حيث اعلنت عن خطط لإصلاح النظم الضريبية وترشيد سياسات الدعم واهمها ترشيد الدعم الموجه للطاقة والدي بلغ نحو 113 مليار جنيه في العام المالي 2014/2013، وتوجهيه ما يمثل 10%-15% من الوفورات المالية الناتجة عن هذا الاصلاح لتمويل برامج الحماية الاجتماعية القائمة واستحداث برامج اخري.
ايضا تقوم الحكومة باتخاذ خطوات نحو إصلاح ادارة المال العام سواء من خلال سد الثغرات بالقوانين واللوائح التي يستغلها البعض للتهرب من سداد الضرائب والرسوم المستحقة اوعلاج مشكلات الاطار التنظيمي من خلال عدة اليات اهمها تفعيل نظام المدفوعات الالكترونية والتوجه الي تطبيق اسلوب موازنة الاداء والبرامج والتي تتضمن في جزء منها الموازنة الاجتماعية لزيادة كفاءة الانفاق العام والحد من هدر الموارد المالية. اما بالنسبة للمنح الخارجية فهي تحتاج الي المزيد من العمل من قبل الحكومة لزيادة التدفقات المالية والمساعدات الموجهة لتمويل الحماية الاجتماعية خاصة في مجال برنامج الدعم النقدي للفقراء والذي تعكف الحكومة حاليا علي دراسته مدفوعة في ذلك بالنجاحات التي حققتها العديد من الدول الاسيوية ودول امريكا اللاتينية والتي حفزت عددا من الدول الافريقية الي تطبيقه مثل نيجيريا وغانا وأوغند.
واشارت الدراسة الي ان الانفاق علي الحماية الاجتماعية في مصر كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي يعد مرتفع نسبيا مقارنة مع متوسط الانفاق العام بدول الشرق الاوسط ، فهو يبلغ 11% في مصر مقابل 10.2% في الشرق الاوسط ، ايضا فان مصر تتفوق علي دول مثل المكسيك وتنفق علي الحماية الاجتماعية نسبة 7.4% من دخلها وكوريا الجنوبية وتنفق 9.3%، ومع هذا فان فعالية برامج الحماية الاجتماعية في تلك الدول تنعكس في تدني نسبة الفقراء بهم مقارنة بمصر.