من الأشياء الُملفتة للنظر هو تدني أسلوب الحوار بين الناس خاصة بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ التي ولدّت سيولة شديدة للحوار والنقاش. كثير من هذه الحوارات والمناقشات تتسم بالحِدية وعدم تقبل الآخر والثبات علي الرأي. حتي لو كان علي غير دراية بالأمر أو رأي مبني علي أشياء واهية أو إشاعة، ولكن الكِبر والعناد ومحاولة إثبات الرأي يحول دون الأخذ بالرأي الآخر والوصول الي النتيجة السليمة.
يمكن القول أنه أصبحت ثقافة مجتمعية بأن من يقتنع أو يوافق علي رأي الآخر يعتبر خنوع وتنازل للآخر كأنه بدون شخصية، وهو بالطبع اعتقاد مغلوط. فمِن دلائل القوة في الشخصية هو أن تستمع للآخر وتقبل ما يفيدك وان تصقل معلوماتك ومعرفتك بالآخرين فهكذا بُنيت الأُمم. أجد الأمل في شبابنا الذين إذا ما أُحسن توجيههم ، لأصبحنا افضل الامم أخلاقا وتحضرا
ولاختلاف البشر أسباب وبواعث عديدة وكما لها أوجه كثيرة منها الظاهر ومنها الباطن ومنها الخَيّر مثل معرفة الحقيقة ومنها الباطل مثل الغرور والتباهي. فمِن أيسر أسباب الاختلاف بين الناس هو عدم وضوح الرؤية لموضوع ما من كافة جوانبه، والذي أن وضحت تصبح الحقيقة جَليّة ومرأية للجميع، لذا قيل” إذا عُرف السبب بَطُل العجب “.
من جهة أخري نجد أن التعصب لرأي معين نتيجة عصبية أو حقد أو غرور أو عناد أو حسد هي من أسباب الاختلاف بين البشر التي تؤدي الي نتائج سيئة. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الصحيح ” العِلم عِلمان، عِلْم في القلب، فذلك هو العِلم النافع، وعِلم علي اللسان، فذلك حجة الله علي بني آدم ” لذا فإن الإختلاف بيننا يفرض علينا أن يكون هناك ضوابط وأحكام للحوار والمناقشات التي تدور بيننا والتي أن طُبقت، كما جاءت في شريعة الله سبحانه وتعالي، فإنها تؤدي الي المبادئ السامية والآداب العالية الرفيعة والي المنطق السليم والفكر السديد.
إن كتاب الله خير مثل في اسمي أساليب الحكمة والبلاغة في الحوار وإقامة الأدلة والحُجج وثبوت الصدق في القول فيما جاء علي لسان الرسل وإثبات حجتهم للناس من خلال الحوار والمناقشة من اجل الوصول الي الحق عن اقتناع وارتياح وليس عن طريق الضغط أو القوة. فقد امتاز أسلوب الحوار في القرآن الكريم بإتساع دائرته ووضوح قضاياه وشموله بما لا يحض من شأن السائل.
اختلف البشر منذ بدء الخليقة ونتج عنه اول حادثة قتل بين الأخوين قابيل وهابيل، واستمر هذا الاختلاف بين الناس حتي يومنا هذا وشمل أمور دينهم ودنياهم فقد قال الله عز وجل “لو شاء ربك لجعل الناس أُمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحِم ربك ولذلك خلقهم”.
قال الله في كتابه الكريم ” وجدالهم بالتي هي أحسن ” وذلك للوصول الي الحقيقة الجلية عن طريق الصدق في القول وتحري الدقة بعيدا عن أي كذب حيث أن أقصر الطرق الي الإقناع هو الصدق. وقد جاء رسول الله موسي عليه الصلاة والسلام الي فرعون بالصدق والحجة الحقيقية دون مؤامرة فتولدت الثقة وتحقق الإقناع بين الناس فإتّبعوا موسي. ان إستخدام المنطق السليم وتقديم الأدلة والبراهين لتوضيح الموقف أو الراي من اهم الطرق المستحبة للحوار، ولنا في سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسوة في حواره مع النمرود والذي استمر حتي قدم له إبراهيم الدليل القاطع فبُهت.
من ثم، يجب وضع هدف للحوار لضبط إيقاعه وهو الوصول الي الحقيقة وليس إثبات موقف ما. وقد كان عمر بن الخطاب خير مثال لذلك حينما صححت له إمراة أمر فِقهي فقال عمر علي الفور ‘ أصابت امرأة وأخطأ عمر’ – قمة في القوة والثبات والثقة. كما أن عليّ بن أبي طالب قال لرجل صححه في امر’أصابت انت واخطأت أنا’ وذلك أحقاقا لقول الله ‘ وفوق كل ذي عِلمٍ عليم’. ونجد الإمام الغزاليّ يُرشدنا في كتابه ‘إحياء علوم الدين’ بان المتحاوران في طلب الحق، كناشد الضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة علي يده أو علي يد من يعاونه، ويري رفيقه مُعينا لا خصما، ويشكره إذا عَرفه الخطأ وأظهر له الحق.
ثم يأتي الغرور كآفة من الآفات الخطيرة التي تتحض أي حوار وتؤدي به الي خلاف مما يدعونا أن نلتزم بالتواضع و الالتزام بالأسلوب المهذب الخالي من كل مالا يليق ، للوصول الي الإقناع بالغاية. ولن يتأتى ذلك إلا بالاستماع الي الآخر وإعطاه فرصة التعبير عن رأيه دون تسفيه أو مصادرة أو إساءة. وقد علَّمنا ربُنا في ذلك اسمي وأرقي أنواع الحوارات عندما خاطب إبليس في عصيانه عن أمر سجوده لآدم، مع أن لله العزة والقوة إلا انه حاوره ليُؤدبنا ويُعلمنا آداب الحوار السليم.
ان احترام الراي هو من عمل العقلاء وليس بالمثالية التي يعتبرها البعض ‘خيالية’ ولكن لفاقدي الاحترام مبررات. كما ان التعميم والحكم علي الأمور بسطحية تؤدي الي الظلم والخلاف. قال العدل في كتابه المحكم ‘ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حيَّ عن بينة’كما يجب ان نسعي للتَبين والتحقق ‘إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة’.
أنها لأمور سهلة الفهم صعبة التنفيذ لموروثات أثقلت ثقافتنا وعقولنا، فلنسعي الي التغيير من انفسنا – وما أحوجنا لذلك الآن – ونبدأ الحوار ونلتزم بآدابها، لعلنا نستقيم
المقال بقلم حسام هيبة خبير الاستثمار







