وضع الاقتصاد المصري معقد جدا, معقد بشكل يجعل أي سياسي يكذب حتى لا يحبط الناس عن الوضع الحقيقي لاقتصاد مصر أو حين لا يكذب فإنه سياسي سيعيش في أوهام نظرية عن اقتصاد مصر, والأسباب كثيرة.
أولا: اقتصاد مصر بة خلل هيكلي مزمن لم يحاول أحد إصلاحه إصلاحا جذريا منذ 40 سنة, هذا الخلل ممكن تلخيصه في جهاز حكومي متضخم, تكلفة دعم متزايد مهدر غالبيته, عائدات ضرائب غير كافية, حجم الواردات الأساسية ضعف حجم الصادرات. مما يعنى أن مصر دوما تعانى من أزمة دولار و دوما الحكومة لديها عجز في تغطية نفقاتها فتلجأ للاقتراض.
ثانيا: الحلول الجذرية معروفة للكل, تلخيصها في تقليل حجم الجهاز الحكومي ومنها التخلص من حوالي 3 مليون موظف على الأقل و إعادة تدريب الباقي مع مضاعفة مرتباتهم , إنهاء كافة أشكال الدعم و يباع الخبز و السولار و البنزين بسعره السوقي و يتحول الدعم إلى دعم نقدي للمحتاجين فقط, زيادة الضرائب على الواردات مع تسهيلات حكومية غير مسبوقة لصناعات التصدير, تغيير قوانين المال العام و الوظيفة الحكومية لتصبح البيروقراطية المصرية أكثر ذكاء و أكثر استجابة للتغيرات, القضاء على البيروقراطية التي تعوق عمل القطاع الخاص سواء الكبير أو المتوسط مع تشجيع حقيقي للقطاع الخاص الصغير, لكن تفرض ضرائب خاصة على الأثرياء و الإرباح لتمويل التأمين الصحي للفئات الأفقر في مصر, بشكل أو أخر إنهاء أفكار المجانية في التعليم إلا في التعليم الاساسى و للمتفوقين فيما بعد ذلك: كل هذه الاقتراحات يجب أن تتم بهدوء و سلاسة بدون تعقيدات قانونية و بدون أن يتهم القائم عليها بالفساد.
ثالثا: الحلول الجذرية المذكورة أعلاه لا يجرؤ اى سياسي في الحكم أن يطبقها، بعد الحالة الثورية في المجتمع صار صعبا أن يفكر أي سياسي في حتى التصريح بهذه الحلول الجذرية ، أنها حلول تفترض وجود معلومات و قدرات تطبيقية غير موجودة فى البيروقراطية و الحكومة المصرية, معظم الحلول الأخرى المطروحة سواء في الإعلام أو الأحزاب هي حلول جزئية تقلل من المشكلة و لا تنهيها.
رابعا: كيف كان الرئيس الأسبق مبارك يحكم مصر؟ خلال أول 15 سنة من حكم مبارك تعرض الاقتصاد لمصاعب أضعاف ما نمر بة الآن إلى الحد أن مصر فشلت في دفع أقساط ديونها للخارج, لم ينقذ مصر إلا نادي باريس بعد تدخل مصر لتحرير الكويت, لكن قبل حرب الكويت كانت مصر تعيش على مسكنات مؤقتة من دعم الخليج و قروض خارجية و قناة السويس و سياحة و تحويلات العاملين بالخارج, ثم في أخر 10 سنين من حكم مبارك جاء وزراء مختلفين و أدخلو مسكنات طويلة الأجل, لقد أحدثوا تطور في قوانين الاستثمار و جذبوا أموال كثيرة لشراء ديون حكومية, طفرة في استثمارات السياحة, شرطة تضمن أمان السائح و احتواء اى طلبات من موظفي الحكومة لزيادة المرتبات, طبعا تبخرت كل هذه المسكنات حين قامت الثورة و كسرت كثير من العلاقات السياسية و الاقتصادية والقانونية التى كانت تحمى وتجذب هذه المسكنات طويلة الأجل.
خامسا: أي سياسي يقول لك عندي حل إقتصادى للمشكلة الهيكلية في اقتصاد مصر, هو إما كاذب أو جاهل لا يعرف الواقع, لأن أي اقتراح إقتصادى تسمعه بدون أن يقال مشاكل تطبيقه و أعراضه الجانبية إعلم أنة اقتراح مزيف, مثلا كل من يدعون لضرائب تصاعدية ينسون أن مصر كانت في الثمانينات و التسعينات تطبق ضرائب 40% على الشركات و كان من نتيجته انخفاض رؤؤس أموال الشركات و اعتمادها على قروض البنكية التي تقلل الضرائب و أيضا انسحاب الشركات من الشكل الرسمي و تحولها للغير الرسمي, ما اقصده قد تكون زيادة الضرائب حل و لكن بدون دراسة أثارها الجانبية التي قد تكون اكبر من الفوائد فالكلام عنها مجرد ألاعيب سياسة, طبعا أى كلام عن وصول الدعم لمستحقيه عن طريق الدعم النقدي هو كلام يتجاهل أن الحكومة في مصر لا تعرف من هو مستحق الدعم أصلا سادسا: طيب ما هو الحل؟ الحل الجذري الوحيد لمشاكل مصر بدون قلاقل اجتماعية مدمرة هو 30-40 مليار دولار هدية, نعم 40 مليار دولار تأتى لمصر هدية فتستخدمهم مصر في استيراد الوقود و الغذاء و تمويل المصروفات لمدة سنتان, خلال هذه السنتان تقوم حكومة مصر بحصر مستحقي الدعم لتطبيق الدعم النقدي ومنظومته المعقدة, إعطاء مبالغ سخية جدا لموظفي الحكومة مقابل الاستقالة ليصل حجم الجهاز الحكومي إلى 3 مليون موظف على أقصى تقدير, تغيير قوانين الوظيفة العامة, تحرير الخبز و الوقود من الدعم, تحديد أماكن لجذب الاستثمار الاجنبى يحكمها قوانين خاصة. طبعا كل هذه الخطوات يجب أن تأتى بدعم شعبي كبير, دعم شعبي لا يمتلكه أى حزب سياسي في مصر و لكن ممكن شراء هذا الدعم عن طريق فائض النقود المتوفر من ال40 مليار دولار هدية, طبعا مع وجود منظومة تشريعية متفاهمة جدا لتغيير كثير من القوانين المعيقة فى مصر
سابعا: طبعا 40 مليار دولار هدية هذا وهم كبير, لهذا أي مسؤول في مصر سيواجه نفس التحديات و تقريبا ليس أمامه لمحاولة تقليل أثرها إلا نفس الطرق, لذا حين يتحول المعارض إلى مسؤول في الحكومة ستجده يتصرف نفس تصرفات الحكومة التي كان ينتقدها من قبل.
ثامنا: هل يوجد حل عملي ؟ نعم المصارحة و اتفاق شعبي على تجرع الدواء المر في الإصلاح من أجل مستقبل أفضل للأبناء.
المقال بقلم خبير الاستثمار مالك سلطان








