215 مليار دولار الفائض التجارى للماكينات الأوروبية
حافظت ألمانيا على فائض ضخم فى الحساب الجارى خلال الأزمة المالية فى منطقة اليورو مما أعاق إعادة التوازن لبلدان منطقة اليورو الأخرى وخلق موجة من الانكماش فى المنطقة والاقتصاد العالمى «تلك هى الانتقادات التى وجهتها وزارة الخزانة الأمريكية للحكومة الألمانية وأثارت الغضب فى برلين الأسبوع الماضي، ولكن الانتقاد الموجع هو الذى عادة ما يكون منصفاً» كما قال مارتن وولف فى مقال له بصحيفة الفاينانشيال تايمز.
قالت وزارة المالية الألمانية رداً على هذه الانتقادات إن فائض الحساب الجارى فى البلاد لا يمثل أى قلق بالنسبة لألمانيا أو منطقة اليورو أو الاقتصاد العالمي، وصرح المتحدث الرسمى باسم وزارة المالية بأن البلاد تساهم بشكل كبير فى النمو العالمى من خلال التصدير والاستيراد، لكن وولف يرى أن الفائض التجاري، الذى وصل وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولى إلى 215 مليار دولار هذا العام، يعد فى الواقع قضية مهمة بالنسبة لمستقبل منطقة اليورو قبل كل شىء.
ولا تعكس فوائض التصدير لا تعكس فقط التنافسية فقط بل تشير أيضا إلى وجود فائض فى الناتج عن الإنفاق، والبلدان التى تتمتع بفائض فى الحساب الجارى تستورد المنتجات التى تفتقر إليها داخلياً، لا يمثل هذا الأمر أى مشكلة عندما يكون الطلب العالمى مزدهراً شريطة ان تُستثمر الأموال التى تقترضها البلدان التى تعانى عجزا فى الموازنة فى أنشطة يمكن أن تخدم بعد ذلك ديونها.
لكن للأسف، كما يقول وولف، ان هذا لا يحدث فى الغالب، ويعود ذلك بشكل جزئى إلى أن البلدان التى تتمتع بفائض تجارى تقوم بتصدير منتجات رخيصة إلى البلدان التى بها عجز مما يدفعها إلى الاستثمار فى أنشطة غير قابلة للتبادل التجارى التى لا تخدم الديون الدولية وهو ما يمكن وصفه بالانتهازية.
الا أنه فى الظروف الحالية عندما تقترب أسعار الفائدة من الصفر ويكون هناك نقص حاد فى الطلب فى جميع أنحاء العالم، تتبع البلدان المصدرة سياسة «إفقار الجار» التى تؤدى إلى تفاقم ضعف الاقتصاد العالمي.
يقول مارتن وولف إنه ليس من الغريب إذن أن يكون الناتج المحلى الإجمالى فى منطقة اليورو فى الربع الثانى هذا العام أقل من المعدل القياسى الذى حققه قبيل الازمة بنسبة %3.1 وأقل بنسبة %1.1 عن عام 2011، كما تنزلق المنطقة نحو الانكماش الاقتصادى الذى يجعل المزيد من الارتفاع فى معدلات البطالة امرا لا مفر منه ويرفع ايضا من القيمة الحقيقية للدين.
ومن المؤكد أن تؤدى السياسات التى اتبعتها منطقة اليورو تحت توجيهات ألمانيا إلى هذه النتيجة نظرا للأثار المدمرة لضعف الطلب جراء سياسات التقشف المالى، يرى وولف، ان الطريقة الأنسب حتى تكون السياسة النقدية المتشددة فعالة هى خفض قيمة سعر الصرف لعملة اليورو، فإذا اتبع البنك المركزى الأوروبى سياسة التيسير الكمي، على سبيل المثال، على نطاق واسع من خلال شراء سندات الأعضاء وفقا لحصتهم بالبنك المركزى فسوف يكون انخفاض قيمة اليورو هى النتيجة الحتمية، ولكن هذا الامر قد يزيد من نزعة منطقة اليورو الخاضعة للنفوذ الألمانى إلى فرض الانضباط المالى على باقى دول العالم.
ووفقا لما جاء فى المقال، فمن المستحيل ان تحقق منطقة اليورو رخاءً يقوم على النمو الذى يقوده التصدير حيث يتعين عليها تحقيق التوازن الداخلي، وكما أوضح تقرير صندوق النقد الدولى بشأن توقعات الاقتصاد العالمى الصادر فى اكتوبر، فإن الخفض الهائل فى العمالة هو الذى رفع من القدرة التنافسية وانهيار الطلب المحلى هو الذى خفض العجز الخارجى فى البلدان التى ضربتها الازمة المالية، لذلك فإن نجاحات الانضباط المالى هى الوجه الآخر للتراجع الاقتصادى وارتفاع معدلات البطالة وحتى الآن لم يتوقع النقد الدولى تراجعاً كبيراً فى صافى الديون بمنطقة اليورو مما يشير إلى ان إمكانية تعرضها للمخاطر مازال قائماً.








