بقلم: نيك بوتلر
لا يوجد مكان على الأرض يرغب فى فشل المحادثات بين المجتمع الدولى وإيران بشأن برنامجها النووى أكثر من الرياض، فأى اتفاق ملفق سوف يعطى الحكومة فى طهران الشرعية ويؤكد ضعف التحالف الاستراتيجى بين السعودية والولايات المتحدة.
والأكثر أهمية من ذلك، أن هذا الاتفاق سوف يزيد من احتمالية اضطرار السعودية إلى إجراء تخفيضات كبيرة فى إنتاج البترول وتقليص الصادرات لدعم سعر الناتج من الدول الأعضاء فى منظمة الأوبك، وستجد المملكة صعوبة فى تحمل تلك التخفيضات ولكن عاجلاً أم آجلاً سوف تعود إيران إلى سوق البترول.
وحتى هذه اللحظة لم يتم التوصل لاتفاق ومازالت إيران تخضع للعقوبات التى تقودها الولايات المتحدة، وانخفض إنتاج وصادرات البترول بأكثر من مليون برميل يوميا، وقد تكيف سوق البترول مع التراجع الكبير فى المعروض الإيرانى وغياب البترول الليبي، كما تراجعت أسعار البترول بنسبة %10 عن أعلى مستويات وصلت إليها منذ 18 شهراً.
وفى حالة التوصل لاتفاق فى الأيام المقبلة، سوف يكون التأثير على سوق الطاقة تدريجياً، وعلى المدى القصير، سوف تبقى العقوبات كما هى لضمان التزام إيران ببنود الاتفاق الذى سيتوصلون إليه.
ولكن سوف يعتبر الهنود والتايوانيون وغيرهما من الذين يشترون بالفعل من إيران هذا الاتفاق بمثابة الضوء الأخضر لزيادة المشترين وقد يرتفع التداول إلى 250.000 برميل يوميا فى غضون أسابيع.
وبعد ذلك، سوف يخفف الاتفاق النهائى الناجح من العقوبات بدرجة ستسمح للتداول بأن يتوسع لما يزيد على 800.000 برميل يومياً خلال 9 إلى 12 شهراً، ولا أحد يعلم – حتى الإيرانيون أنفسهم – القدرة الإنتاجية الحقيقية لحقولهم بعد سنوات من العقوبات، ولكن الحاجة الماسة إلى الإيرادات سوف ترفع الناتج بالتأكيد بمجرد إبرام اتفاق.
وسوف تساير أوبك بصعوبة الزيادة فى الإنتاج على هذا المستوى، رغم أنه بالنظر إلى مشكلات دول منظمة أوبك الأخرى، فسوف تتحمل السعودية وحدها عبء تخفيض الإنتاج.
وسوف تظهر المشكلة الحقيقية بعد 12 إلى 24 شهراً من الاتفاق، فإيران تحتاج إلى إعادة هندسة حقولها وبنيتها التحتية الحالية، وإعادة إطلاق برنامج استكشاف وتطوير حقول بترول وغاز جديدة، وقد ظل هذا البرنامج قيد الانتظار خلال العقدين الماضيين.
وتتمتع إيران بموارد ضخمة، كما أن التطوير سيكون سهلاً ورخيصاً مقارنة بحقول ذات موارد مشابهة فى خليج المكسيك أو القطب الشمالى أو شرق أفريقيا، ولدى العديد من الشركات الرائدة فرق مخصصة لإيران على أهبة الاستعداد فى لندن أو عمان، وتعد إيران واحدة من أعظم الجوائز العظيمة لقطاع الطاقة الدولي.
وبالنسبة للسعودية، فإن المخاطر واضحة، فحاليا، لا يعانى السوق الدولى نقصاً فى المعروض من البترول، وإذا قامت إيران بزيادة الإنتاج، فإن السعر سوف ينخفض حتى يخفض الإنتاج فى مكان آخر، ولا توجد دولة اخرى عضو فى الأوبك باستطاعتها تحمل تخفيض الإنتاج سوى بكميات زهيدة.
تكمن المشكلة فى أن السعوديين أنفسهم لم يعد لديهم مساحة للمناورة مثل السابق، فقد توسعت الموازنة العامة بشكل كبير مع ازدياد الحاجة للحفاظ على الرضوخ الشعبى فى المملكة وغيرها منذ الربيع العربى.
ويقول بعض المحللين إن السعودية تحتاج أن يكون سعر البترول حالياً عند 118 دولاراً للبرميل حتى تحافظ على المستوى الحالى من الإنفاق، وسوف يرتفع هذا الرقم، إذا تسببت زيادة الاستهلاك المحلية فى تقليص حجم الموارد المتاحة للتصدير.
وحتى هذه اللحظة، لم يتم التوصل لاتفاق، ومازالت الاحتياطيات الإيرانية محبوسة، لكن المزاج العام تغير، فالرئيس باراك أوباما يريد تحقيق نجاح، وإيران بعد سنوات من العزلة تريد أن تعود إلى المجتمع الدولي، فقد نجحت العقوبات بشكل من الأشكال، ولكن مع النجاح سوف تظهر مشكلات جديدة مع رفع العقوبات.
وأدى الجمع بين النمو السكانى غير المقيد واستمرار الإسراف فى الدعم الحكومى إلى تشجيع الاستهلاك غير المحدود، ما قوض قدرة الدول الأعضاء فى منظمة الأوبك على التكيف، ولسنوات اختفت هذه الحقيقة خلف عزلة إيران وعنادها، وهذه المرحلة توشك على الانتهاء، فانتعاش قطاع صادرات البترول الإيرانى قد تكون القشة التى تقصم ظهر بعير الأوبك.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز