بقلم: د. طارق سعد الدين شل
رفعت مؤسسة ستاندرد أند بورز فى إصدارها الأخير تصنيف مصر الائتمانى «السيادى» من CCC+ إلى B- وهو مردود خارجى إيجابى عن بدء تعافى الاقتصاد المصرى حيث يعتبر التصنيف الائتمانى مقياس لمخاطر عدم السداد فهو يقيس مدى قدرة الدولة أو الجهة المقترضة على الوفاء بالتزاماتها للمقرضين أو بمعنى آخر مدى قدرتها على سداد ديونها، وتسعى الحكومات والجهات المقترضة للحصول على مثل ذلك التصنيف حيث يساعدها عند طلب الحصول على القروض والتسهيلات كما يطلبه المستثمرون والمانحون لتحديد مدى إمكان تمويل تلك الجهة والحكم على مستوى إدارة الاقتصاد وفعاليتها فى تسيير الأمور.
وتتراوح درجات التصنيف ما بين D وهى أدنى درجات التصنيف أى احتمال ضعيف بألا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته وبين AAA وهى أعلى درجات التصنيف وتعنى استبعاد احتمال عدم السداد ويمر التصنيف بـ 21 مستوى بين هذين الحدين وإن اختلفت الرموز طبقاً لمؤسسة التقييم حيث تتم عملية التصنيف طبقاً لمعايير اقتصادية ومحاسبية وتقوم العديد من المؤسسات بذلك التقييم أشهرها ستاند رد أند بورز – مووديز – فيتش حيث تقوم بـ %90 من عمليات التصنيف، وتقوم المؤسسة بالتصنيف الائتمانى للدول على أساس فرضية أن هناك احتمالية لعجزها عن السداد أو عدم قدرة المقرض على تحصيل أمواله سواء على المدى القصير أو الطويل ويطلق على ذلك السعة أو القدرة على الدفع حتى وقت الأزمات المالية أو الاقتصادية.
ويعنى رفع تصنيف مصر الائتمانى أنها أصبحت مكاناً أكثر أماناً للاستثمار وأن قدرتها على سداد التزاماتها ارتفعت فقد رفعت مؤسسة ستاندرد أند بورز تصنيف مصر من CCC+ (أى أن مخاطر عدم السداد مرتفعة) إلى B- (أى احتمال عدم السداد مع مخاطر مرتفعة).
ونعتقد أن هناك العديد من الأسباب التى مهدت لرفع تصنيف مصر الائتمانى منها:
1 ـ أن مؤسسات التقييم الدولية بدأت ترصد تحسن وضع الاقتصاد المصرى من خلال استقرار مؤشراته بعد استمرار تدهورها منذ 25 يناير 2011 خاصة بعد تخطى عجز الموازنة للحد الآمن والعجز الكبير فى ميزان المدفوعات.
2 ـ فيض المساعدات المالية من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت والتى كان لها أكبر الأثر فى دعم قدرة الحكومة المصرية على سداد مديونياتها، فعقب أحداث 30 يونيو 2013 منحت الدول الثلاثة لمصر 12 مليار دولار أمريكى «خمسة مليارات من السعودية، أربعة مليارات من الكويت وثلاثة من الإمارات العربية المتحدة» بالإضافة لمساعدات مالية بدون فائدة ومنح ومنتجات نفطية وصلت إلى %4.4 من الناتج المحلى الإجمالى لعام 2013 كما دعمت دولة الإمارات مشروعات التنمية فى مصر بمساعدات تعادل %1.1 من الناتج المحلى الإجمالى، كل ذلك رفع القدرة الاقتصادية لمصر وقلل من فرص تعرض ميزان المدفوعات لخلل ضخم، كما ترتب على تلك المساعدات ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى إلى 18.5 مليار دولار أمريكى وساهم فى استقرار سعر صرف الجنيه فى مقابل العملات الأجنبية بل وارتفاع قيمته.
3 ـ إن رفع مؤسسة ستاندرد أند بورز تصنيف مصر لم يكن راجعاً فقط إلى المساعدات الخليجية وإنما لأنها رأت أن الحكومة المؤقتة لديها خطط واضحة لإنعاش الاقتصاد ودعم البنية التحتية تمثلت فى الحزم المالية لدعم الاقتصاد مع تركيزها على البعد الاجتماعى مثل قرارات تحديد الحدين الأدنى والأقصى للأجور (ما بين 1200 جنيه و42000 جنيه أو 35 مثل) لتحقيق العدالة الاجتماعية وكان أخرها حزمة مالية بـ 30 مليار جنيه.
4 ـ الاستقرار السياسى النسبى نتيجة التوافق بين القوى السياسية على مدنية الدولة والاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة تدير شئون البلاد طبقاً لخارطة طريق تشمل إعداد الدستور يتبعها انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية.
5 ـ انتهاء حالة الطوارئ بالبلاد مما يدعم الاستقرار السياسى الاقتصادى والاجتماعى وبما ينعكس على قرارات المستثمر الأجنبى بالإيجاب.
6 ـ اتجاه الدول الأجنبية لرفع الحظر على سفر مواطنيها لمصر على خلفية الأحداث السياسية بها خاصة بعد انتهاء حالة الطوارئ وبالتالى بدء الشركات السياحية الأجنبية فى إيفاد مواطنيها إلى مصر مما يساهم فى تنشيط الحركة السياحية.
7 ـ انخفاض حدة العنف بالشارع المصرى مما ترك أثره على الاستقرار الأمنى متزامناً مع انحسار الوقفات الاحتجاجية والتى من شأنها تعطيل عجلة الإنتاج.
8 ـ نبرة التصريحات الحكومية فى صالح تدعيم الاقتصاد المصرى بما يعطى صورة إيجابية للاقتصاد المصرى خارجياً.
ولعل رفع التصنيف السيادى لمصر إلى B- لأول مرة بعد ثلاثة أعوام من الخفض المتواصل للتصنيف الائتمانى والذى وصل إلى سبعة مرات متتالية منذ فبراير 2012 إلى يوليو 2013 حيث انتهى التصنيف إلى CCC+ من شأنه تحقيق أثار إيجابية للاقتصاد المصرى تتحقق كما يلى:
1 ـ زيادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب فى البورصة المصرية مما يزيد الثقة فى الأوراق المالية وأسهم الشركات المصرية كما يؤدى لعودة صناديق الإستثمار والمؤسسات المالية التى تخارجت من البورصة المصرية فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011
2 ـ إضفاء المزيد من الاستقرار للاقتصاد المصرى مدعوماً بزيادة الثقة الدولية وثقة المانحين الدوليين وسيدعم الاستقرار السياسى ذلك على المديين المتوسط والطويل.
3 ـ سيعزز استقرار الاقتصاد من القدرة على الاقتراض من الخارج كما يقلل من تكلفة ذلك الاقتراض وبالتالى العبء الحكومى نظير القروض كما سيؤدى لتحسين شروط الاقتراض
4 ـ إن رفع التصنيف الائتمانى من شأنه دفع الاقتصاد المصرى للتعافى مدعوماً بالإجراءات التى تتخذها الحكومة المؤقتة من إجراءات لدعم الاقتصاد بعد سنوات من الهبوط الناجم عن الأحداث السياسة والوقفات الاحتجاجية مما يترتب علية زيادة الاستثمارات الخارجية داخل مصر حيث أن قيمة الرفع ذاته أعاد مصر مرة أخرى على أولويات الاستثمار للمؤسسات الاستثمارية الدولية خاصة فى ظل تفاقم أزمة الديون الأوروبية وبالتالى زيادة معدلات التشغيل والإنتاج بما ينعكس على معدلات التنمية وبالتالى زيادة فرص العمل وخفض معدلات البطالة.
5 ـ تقليل الضغط على العملة المحلية فى مقابل العملات الأجنبية تاركاً أثرة على ارتفاع سعر صرف الجنيه المصرى مما ينعكس على أسعار الواردات نسبياً بالإيجاب وبالتالى زيادة القوة الشرائية للجنيه المصرى فى السوق المحلية.
6 ـ خفض تكاليف الاستيراد من خلال انخفاض تكاليف فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد حيث أن الموردين الأجانب سيزيدون من حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة للمستوردين كما أن المؤسسات الدولية كانت فى السابق تشترط سداد قيمة الاعتمادات بالكامل بالعملة الأجنبية مما يعتبر عائقاً فى ظل ندرة العملات الأجنبية.
7 ـ سينعكس ارتفاع التصنيف الائتمانى لمصر على البنوك المصرية إيجاباً وبما يؤدى لزيادة السقوف الائتمانية الممنوحة لتلك البنوك من مثيلتها الأجنبية
8 ـ تعزيز الثقة فى السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى والتى أدت لاستقرار سوق الصرف الأجنبى والاستخدام الأمثل الاحتياطى الأجنبى.
9 ـ ستنخفض فائدة السندات الحكومية التى تصدرها للخارج بما يؤدى لتخفيف عبء الدين الخارجى.
10 ـ سيترتب على زيادة ثقة المانحين الدوليين تنويع مصادر التمويل الأجنبية.
مدير العلاقات الخارجية بالمصرف المتحد







