ارتفاع مدخرات الدول الغربية والناشئة وراء الركود طويل الأجل
سكب لورانس سامرز، وزير الخزانة الأمريكى السابق، جالوناً من المياه المثلجة على أى آمال متبقية حيال تعافى الاقتصادات المتقدمة، فقد قال سامرز أثناء مؤتمر البحوث السنوى لصندوق النقد الدولى إنه لن يكون من السهل العودة إلى معدلات النمو الطبيعية فى مرحلة ما قبل الأزمة المالية فى الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، ليس هذا فحسب بل رسم أيضاً مستقبلاً مؤلماً يتسم بضعف حاد فى الطلب وتباطؤ النمو الاقتصادى.
لم يكن سامرز أول من يشير إلى إمكانية انزلاق الاقتصادات الغنية إلى ما يعرف بـ «الركود المزمن»، فالخوف من محاكاة العقد الضائع لليابان لم يغب عن الاذهان منذ اندلاع الأزمة المالية.
يتساءل مارتن وولف، فى مقال بصحيفة الفاينانشيال تايمز، عن الأسباب التى قد تجعلنا نؤمن بما قاله سامرز، مشيراً إلى ثلاث سمات ذات صلة بالاقتصادات الغربية قبل الأزمة.
أولاً: لقد كان التعافى من الأزمة المالية التى اندلعت عام 2007-2008 ضعيفاً بالتأكيد، ففى الربع الثالث كان معدل نمو الاقتصاد الأمريكى اكبر من المعدلات التى سجلها قبيل الأزمة المالية بنسبة %5.5 فقط، أى منذ اكثر من خمس سنوات، كما أخذ الناتج المحلى الاجمالى الحقيقى للولايات المتحدة فى التراجع، مقارنة بمعدلاته قبل الأزمة، وعلاوة على ذلك، استمر هذا الضعف الاقتصادى طويلا رغم السياسات النقدية فائقة التوسع.
ثانيا: شهدت الاقتصادات التى ضربتها الأزمة المالية قبل الأزمة ارتفاعاً سريعا فى مستويات الدين خاصة فى ديون الاسر والقطاعات المالية جنباً إلى جنب مع قفزات قوية فى اسعار العقارات مما أطلق عليه اقتصاد الفقاعة، كما تبنى العديد من الحكومات ولاسيما فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سياسات مالية توسعية، ومع ذلك لم تظهر فى بريطانيا أو أمريكا أي من علامات الارتفاع الهائل، خاصة فى النمو الاقتصادى أو التضخم قبل اندلاع الأزمة.
ثالثا: ظلت أسعار الفائدة الحقيقية على القروض طويلة الاجل منخفضة بشكل ملحوظ فى السنوات التى سبقت الأزمة على الرغم من النمو الاقتصادى العالمى القوي، فتراجعت العائدات على الأوراق المالية الممتازة المرتبطة بمؤشر طويل الأجل فى المملكة المتحدة من %4 إلى %2 بعد الأزمة المالية الآسيوية وإلى مستويات بالسالب بعد الأزمة المالية وانتهجت سندات الخزانة المحمية من التضخم فى الولايات المتحدة نهجاً مماثلاً، وإن كان فى وقت لاحق.
ومن الواضح كما يرى وولف أن استعادة جزء من قوة النظام المالى أو الحد من عبء الديون المفرطة التى تراكمت قبل الأزمة من غير المرجح أن يحقق تعافياً كاملاً، ويعود السبب فى ذلك إلى أن الأزمة المالية تلتها تجاوزات مالية كانت رداً على الضعف الهيكلى الموجود اصلاً قبل الأزمة.
من أوجه هذا الضعف، كما يقول وولف، تخمة الادخار العالمى والتى يمكن أن يطلق عليها ايضا «ندرة الاستثمار«، تعتبر اسعار الفائدة المنخفضة خير دليل على هذه التخمة إذ كان يوجد مدخرات تبحث عن استثمارات منتجة اكثر من وجود استثمارات منتجة توظف هذه المدخرات.
تعد الاختلالات العالمية، المتمثلة فى وجود فوائض ضخمة فى الحساب الجارى فى اقتصادات البلدان الناشئة فى شرق آسيا وخاصة الصين والدول المصدرة للبترول والاقتصادات ذات الدخل المرتفع ولاسيما ألمانيا، تعد دليلاً آخر على تخمة المدخرات حتى اصبحت تلك الاقتصادات مصدراً صافياً للمدخرات إلى باقى دول العالم واستمر هذا الأمر الذى شاع قبل الأزمة المالية إلى يومنا هذا.
قوضت تخمة الادخار العالمى بعد ذلك الطلب الحالى ولكن نظراً لتزامنها مع الاستثمار الضعيف فإنها أدت ايضا إلى تباطؤ نمو الامدادات، وظهرت تلك المشكلة قبل الأزمة لكن الأزمة زادت من صعوبة تلك المشكلة.
اقترح سامرز استخدام تخمة الادخار العالمى فى تمويل موجة من استثمارات القطاع العام، وقد أيد هذا الاقتراح العديد من خبراء الاقتصاد بمن فيهم وولف، ويعد تسهيل تدفق رأس المال إلى البلدان الناشئة والنامية وسيلة اخرى لامتصاص تلك التخمة فى الادخار العالمى، حيث تتمتع تلك البلدان بأفضل الفرص الاستثمارية، لكن وولف يرى انه من الصعب التسليم بأن تمويل موجة من الاستثمارات قد ينجح فى امتصاص تخمة الادخار العالمي.
لذلك قد يكون الحل الأفضل هو القيام بتدابير تهدف إلى زيادة الاستثمارات المنتجة فى القطاعين العام والخاص، فصحيح أن العديد من الاخطاء سوف ترتكب لكن المجازفة بارتكاب أخطاء ستكون أفضل من تحمل تكاليف المستقبل الفقير.








