بقلم : مصطفي فهمي
لا أعلم لماذا أتوقف كثيراً عند مقولة الزعيم الحقوقي الأمريكي مارتن لوثر كينج: ” إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى “، وذلك عندما تشتعل المعارك الأسبوعية بين أنصار “العسكر” ومن والاهم، وأنصار ” الجماعة”ومن تبعهم، في ليالي الجُمَع الدامية.
أعلم تماماً أن الموقف الأخلاقي هو الوقوف مع العدل ضد الظلم، مع الخير ضد الشر، مع الحرية ضد الديكتاتورية، وأن ذلك الموقف الأخلاقي يظل ثابتاً قوياً مهما إختلفت الظروف أو تبدلت، ومهما تغيرت أنظمة الحكم وإتجاهاتها وميولها وإنتماءاتها ومهما إختلفت نسب تأييدك وإتفاقك مع تلك الأنظمة ومناهجها وأفكارها وأن ذلك الموقف الأخلاقي نابع من الضمير الشخصي فقط ولا يخشى شيئاً قط سوى آلامه وتأنيبه .
وفقاً لكينج، فكل ما لا ينتمي للإخوان أو العسكر في تلك الظروف الإستثنائية، فهو في أسوء مكان في الجحيم، خاصة وإن كلا منهما يري أنه يخوض معركة أخلاقية لنصرة الدين والشريعة تارة، أو محاربة الإرهاب باسم الدين والشريعة تارة أخرى، وما بين هذا وذاك يظل من يرفض الطرفين منبوذاً ومرفوضاً بإعتباره خائن وعميل وكافر وخلية نايمة وطابور خامس ولاحس بيادة، بل في بعض الأحيان خمورجي وشاذ جنسياً وينتمي لخلية إرهابية متشددة في آنٍ واحد.
في نظري لا فرق يُذكر بين من حكم سابقاً ومن يحكم الآن، كلاهما في سلة واحدة، لا ينتميان لثورة تلخصت أهدافها في عيش وحرية وعدالة اجتماعية، تلاقت مصالحهم مرات في مراحل إستعراض العضلات، واختلفت حين ظن كل طرف قدرته على إقصاء الآخر والإستئثار بالحكم المطلق .. إنتهكوا بأرجلهم مبادئ الثورة حين اتفقا سوياً على إقصاء الشعب والثوار، وتقاسما مكتسبات الثورة حين امتلأت المعتقلات بأنقى شبابها، ساهما معاً في ضياع حقوق الشهداء والمصابين، رسخوا معاً قواعد المحاكمات العسكرية للمدنيين، وفي عهدهما لم تتوقف أمواج الدماء، وبصراعهم ندخل عصراً دموياً جديداً لا نعلم متى ينتهي.
انتمي لفئة لا تقف على الحياد بين الطرفين، بل تقف خارج المشهد تماماً، لا تنظر للمعركة باعتبارها أخلاقية كما يروجون أطرافها، بل تنظر بضيق للصراع غير الأخلاقي وخلط الحق بالباطل وحملات غسيل العقول والأدمغة التي تنفذها أبواق إعلامية منحازة لكل طرف، ترى من أذله الله بعد عزة ومن أعزه الله بعد ذل، وتنتظر من سيُذل ومن سيُعز، تتأثر يومياً بقتلى تفجير إرهابي لعين، أو هجوم عسكري غاشم على تظاهرات طلابية وسحل مواطنين..بالقبض علي أطفال ونساء، بإعتقال طلاب جامعيين وشباب ثورة، بخطف وقتل جنود لا ناقة لهم ولا جمل في المعركة، دون أن تحرك ساكناً او تتخذ موقف.
تلك الفئة يزداد شعورها يومياً بأن المكان بات لا يتسع لها، ضاق على أطراف الصراع لا شريك لهم.. تلك الفئة لا تستطيع أن تعرض آرائها في وقتاً لا يحتمل رأياً مغايراً لرأي الحاكم أو منهج مغايراً لمنهج الجماعة.. تلك الفئة اختارت أن تذهب بحرية كاملة إلى جحيم مارتن لوثر للهروب من المعركة غير الأخلاقية، التي يرغب أنصار كل طرف الزج بها إلى دائرة دم ترفض فيها القاتل والمقتول، لكنها وللأسف لن تكف عن البكاء في مسرح الجريمة.







