بقلم: إيهود باراك
وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق
الشرق الأوسط منطقة تموت فيها التوقعات، وقد جعلت الاضطرابات التى وقعت مؤخرا توقع مسار الاحداث أكثر خداعا، ولكن مصدر الأزمة الرئيسى فى الشرق الأوسط – كما أوضحت 2013 – ليس «صراع الحضارات» وإنما الصراع السنى الشيعي.
ومع هدوء الربيع العربي، تبدو النظرة الإقليمية لعام 2014 كئيبة، ومع ذلك، لايزال هناك فرص على الطاولة وغيرهم سوف يظهرون على الساحة خلال العام، لكن اقتناصهم يتطلب قيادة عالمية ووضوحاً استراتيجياً ودقة وحسم، وكل ذلك، كان غائبا فى 2013.
وبالفعل، هناك تصور ينتشر بين قادة العالم والرأى العام والخصوم والحلفاء على حد سواء بأن القائد العالمى الطويل، وهو الولايات المتحدة، ضَعُف بشكل واضح، خاصة بعد فشل الرئيس باراك أوباما فى الدفاع عن «خطه الأحمر» بعد استخدام نظام بشار الأسد أسلحة كيميائية الصيف الماضي، وبعد عودة مصر للحكم العسكري، والاحتجاجات التى نشبت فى إيران بعد انتخابات 2009، وبعد الاستقرار المشهود فى العراق وأفغانستان وباكستان.
ونتيجة لعدم اليقين بشأن الموقف الأمريكي، تجرأ المحور الردايكالي، إيران وسوريا وحزب الله، وسوف يحاول بالتأكيد تعزيز انجازاته خلال العام المقبل، واستخدام الأسد الصدمة الناتجة عن الهجوم بأسلحة كيميائية كورقة مساومة فى اتفاق نزع السلاح الكيميائى – الذى ينتظر التنفيذ وربما المراجعة – مما اشترى له استراحة قيمة من جهود الإطاحة به، إذا لم يكن خلاصا دائما.
وسوف يسعى الأسد فى 2014 لتأجيل التنفيذ الفعلى لاتفاق الأسلحة الكيميائية لكى يكسب وقتا لزيادة الانقسام بين خصومه وإضعافهم، وقد يماطل حتى انتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر، فحينها سيكون انتقاد الأسد مستحيل سياسيا، وبالتالى يوجد فرصة جيدة له بأن يفلت بعملته.
وسوف يدعم حزب الله الأسد حتى النهاية، لأن استمرار الأسد فى السلطة حيوى لبقاءه، وأصبح المتمردون السوريون، الذين أضعفهم القتال، ضحايا للخلاف المتنامى بين الولايات المتحدة وحلفائها الأقربين، وبدون هجوم ناجح على الأسد نفسه، فإن احتمالية انتصار المتمردين ميدانيا ضئيلة.
ولن تنجح مفاوضات السلام فى جنيف العام المقبل إلا إذا جاء الأسد إلى طاولة المحادثات وهو فى وضع أضعف، وهذا ليس مرجحا، أما إسرائيل فستواصل العمل بنشاط لمنع نقل الصواريخ الثقيلة وأنظمة الدفاع الجوى من سوريا إلى حزب الله عبر جنوب لبنان، مما يحمل بالطبع خطورة المواجهة العسكرية.
ورغم أن الأسد قد ينجو الآن، فإن سوريا مثل العراق وليبيا، تواجه خطر التفكك الزاحف إلى كيانات فرعية متجانسة عرقيا إما منفصلة كليا أو مرتبطة برباط ضعيف للغاية.
وحصلت إيران على تخفيف للعقوبات المعيقة بثمن بخس، وبما أن هيكل الاتفاق قائم على مرحلتين، فإن هذا الاتفاق المؤقت يؤجل التحقق من نجاحه أو فشله، وبالتالى فإن الاختبار الحقيقى لإيران والعالم مازال غيبا.
وتتمثل الخطورة المباشرة فى أن إيران مازالت تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى امتلاكها كمية كبيرة من اليورانيوم منخفض التخصيب، والقرار بشأن كيفية الاستمرار بيد إيران وحدها، ومن المرجح أن قادتها سوف ينتظرون الفرصة للتقدم نحو قدرات نووية عندما تكون الولايات المتحدة غير قادرة على الرد لأى سبب كان.
وستكون عواقب تسلح إيران نوويا كارثية للنظام الإقليمى والاستقرار العالمي، فقد تحصل السعودية على سلاح نووى فى غضون أسابيع، وستضطر تركيا ومصر لحذو حذوهما، وسوف تنهار اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
وبالطبع إذا فشلت المفاوضات بشأن اتفاق نهائي، فسوف تشعر إسرائيل – وربما الولايات المتحدة أيضا – أنها مضطرة للتفكير فى إجراءات أخرى، وعلاوة على ذلك، قد تقترح إيران خلال ستة أشهر اتفاق مؤقت معدل قليلا يضم المزيد من تخفيف العقوبات، مستغلة مجددا الشلل الذى يصيب صناعة السياسة الأمريكية بسبب الانتخابات، وهذه الاستراتيجية قد تؤجل مرحلة الاتفاق النهائى إلى ما بعد 2014.
ويلعب الإيرانيون لعبة شطرنج ويعرفون كيف يناورون جيدا، ولا يستسلمون للخسارة، والحل الوحيد هو إيجاد طريقة لإخبار إيران بشكل لا لبس فيه «إننا نحترم حاجاتكم، ولن نحرجكم علنا، ولكن يجب أن تفهموا أننا جادون، فإما أن تتخلوا عن البرنامج النووى العسكرى فى الأشهر القليلة المقبلة أو واجهوا العواقب».
لم تصل مثل هذه الرسالة للقائد الأعلى على خميني، ودون سماعها وتصديقها من المستحيل أن يتراجع.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: بروجكت سينديكيت







