بقلم: مارتن وولف
أصبحت الآراء بالإجماع أكثر تفاؤلاً حيال الاقتصاد العالمي، لسبب وجيه، فيبدو أن الاقتصادات ذات الدخل المرتفع تقلع أخيراً من أزماتها الاقتصادية، ويعد هذا الامر صحيحاً خاصة بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولكن هناك تحديات كبيرة فى الانتظار، ولاسيما بالنسبة لمنطقة اليورو، أما بالنسبة للبلدان الناشئة، فإن النمو الأقوى فى الدول ذات الدخل المرتفع تجلب المنافع ولكنه مكلفاً أيضاً، واذا كان الشعور بالابتهاج من بين العوامل التى تشكل مخاطر على الاستقرار، فلا ينبغى أن يشهد عام 2014 منه الكثير.
وقد رسم صندوق النقد الدولى المزاج العالمى فى الاجتماع السنوى للمنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس، ففى تحديثه لتوقعات الاقتصاد العالمى التى صرح بها فى اكتوبر 2013، رفع توقعاته للنمو العالمى هذا العام بشكل طفيف إلى %3.7 اى بزيادة 0.1 فقط، ولكنه رفع توقعاته لنمو الاقتصاد البريطانى بنحو 0.6 نقطة، واليابانى والاسبانى بنحو 0.4 نقطة والالمانى والامريكى بنحو 0.2 نقطة.
وبالرغم من ذلك، فإن النمو المتوقع فى البلدان مرتفعة الدخل لايزال منخفض جداً: %2.8 فى أمريكا، %2.4 فى بريطانيا، %1.7 فى منطقة اليورو، وإذا كان هذا صحيحاً، فلن تخفض هذه الاقتصادات العجز فى الناتج بالنسبة لمستويات ما قبل الازمة: فبلغ العجز فى منطقة اليورو حوالى %13، وفى الولايات المتحدة %15، وفى المملكة المتحدة %18، فقد حققت الاقتصادات مرتفعة الدخل انتعاشاً متواضعاً من الانخفاض المدمر، بالرغم من السياسات النقدية غير التقليدية، ويظل هذا الامر هو الحقيقة المؤلمة.
فهل تكون النتيجة أفضل مما توقعها صندوق النقد الدولي؟ نعم، ففى الولايات المتحدة، التى تعد المرشح الأقوى للاقلاع الاسرع من الأزمة، نجد أن تكاليف الطاقة أصبحت أقل، التضيق المالى قد تباطأ، القطاع المالى فى موقف جيد، أو على الأقل بالنسبة لما سبق، انخفضت اعباء ديون الاسر بشكل كبير عن ذروتها، وأسعار المنازل آخذة فى الارتفاع.
وتعد التوقعات بالنسبة لمنطقة اليورو قاتمة، فالنمو المتوقع هذا العام بنسبة %1 سيأتى بعد تراجع فى النمو بنسبة %0.7 فى عام 2012 و%0.4 فى عام 2013، ومن المتوقع ان تحقق ايطاليا واسبانيا فقط نمواً بنسبة %0.6 هذا العام، والتحول القوى فى المزاج قد ينتج عنه تعافيا أفضل من المتوقع فى منطقة اليورو، ولكن مع الاسف تواجه منطقة اليورو مخاطر واضحة للاتجاه الهبوطى، ويعد إحداها تراجع معدلات التضخم إلى مستويات منخفضة للغاية، او ركوداً صريحاً، كما أن تراجع الأسعار فى الاقتصادات المثقلة بالديون يزيد من عبء الديون وبالتالى ازدياد فرص حدوث مزيد من ازمات الدين، الخطر الاخر هو أن التقييم المقبل للبنوك الاوروبية قد يكشف عن نقص ضخم فى رأس المال، واذا تمت معالجة هذا الامر بحزم انقاذ من قبل المقرضين، فمن الممكن حدوث مزيد من الخلل فى التمويل المصرفى ولاسيما فى الاقتصادات الاكثر عرضة للمخاطر.
ولا تزال توقعات النمو للاقتصادات الناشئة عند %5.1 هذا العام ارتفاعا من %4.7 فى عام 2013، وكالعادة، من المتوقع أن تقود قارة آسيا ومنطقة افريقيا جنوب الصحراء الناميتين الطريق، ومن المتوقع ان تحقق الصين نموا بنسبة %7.5 هذا العام.
ويعتبر الاقتصادات الناشئة والنامية غير متجانسة إلى حد كبير، ولكن التطورات العالمية الكبيرة تؤثر عليهم جميعاً وإن كان بطرق مختلفة، فتلميحات الفيدرالى الامريكى اوائل الصيف الماضى بالبدء فى تقليص برنامج شراء السندات نتج عنه نوبه من الغضب اجتاحت الاسواق الناشئة، وتتكرر الان تلك النوبه مع البدء الفعلى لتقليص برنامج شراء السندات.
ولكن حتى لو لم يصاحب تلك الاقتصادت أى أزمات، فإن المزيج من بيئة خارجية أكثر تحديا مع الضعف المحلى من شأنه ان ينتج عنه نموا اقل فى العديد من الاقتصادات.
سرد مؤخراً تشو مين، نائب مدير صندوق النقد الدولي، اربعة تحولات سلبية على الاقتصادات الناشئة: تضييق الظروف المالية العالمية، تراجع النمو فى الصين، انخفاض أسعار السلع وضعف التجارة الدولية، وسوف أضيف إلى تلك التحولات الأربع سياسات التكيف فى منطقة اليورو الذى يتم من خلال تحول كبير فى الحساب الجارى إلى الفائض ويقابله تحول معاكس فى باقى دول العالم، هذه التحولات تجعل الاقتصادات الناشئة عرضة للتوقف المفاجيء فى تدفقات رأس المال.
ولعل السؤال الأكبر هو ما الذى سيحدث للصين، فمنذ عام 2008 ونموها اصبح معتمداً بشكل متزايد على الارتفاع الهائل فى معدلات الائتمان، ولكن هذا لا يمكن ان يكون مستداما، فقد تواجه بكين خيارا ما بين إصلاح هيكلى وتباطؤ اكبر من المخطط له الان، أو تأجيل الاصلاح الهيكلى وخلل اكبر فى النمو لاحقا.
فما الذى يجب فعله، إذن لتغذية التعافى وتعزيز الإصلاح؟ الإجابة فى الولايات المتحدة، هى نبذ حماقة الجدال حول رفع سقف الدين، ويعنى فى منطقة اليورو العمل الدؤوب لزيادة الطلب ورفع معدلات التضخم إلى نسبة %2 المستهدفة، ويعنى فى اليابان الشيء ذاته، رغم أن البنك المركزى يبدو مصمماً على تحقيق النسبة المستهدفة للتضخم التى أقرها، وفى البلدان الناشئة، يجب اطلاق جولة أخرى من الاصلاحات الجذرية خصوصاً فى الصين والبرازيل والهند.
يمتلك العالم على ما يبدو فرص للخروج من عصر الأزمات أكبر من أى وقت مضى ويجب اغتنامها.
المصدر: الفاينانشيال تايمز
إعداد: نهى مكرم







