البلاد تعانى ضعف القدرات التنافسية للقطاع الصناعى وهروب رأس المال الأجنبى
فى عام 2008، عقب فوز روسيا باستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014، أعلن فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، أن بلاده قد عادت أخيراً إلى الساحة العالمية كدولة قوية، دولة ينصاع إليها الآخرين وتدافع عن ما تؤمن به.
وجاءت احتفالات الاولمبياد بعد عام جيد بالنسبة لبوتين، فداخليا، شهد نهاية الاحتجاجات التى استقبلت عودته إلى الرئاسة عام 2012، أما خارجيا، فقد استخدم حق الفيتو فى مجلس الأمن لتوديع الأفكار الغربية بالتدخل الغربى فى سوريا، وقام بالتوسط فى التوصل إلى اتفاق بشأن الاسلحة الكيماوية ورعاية مؤتمر السلام السوري، وظل حليفه الوحشي، بشار الاسد فى السلطة.
ولكن محالفة الحظ لبوتين مرة أخرى ليس مثيرا للاعجاب إلى هذا الحد كما يبدو، فليس فقط النموذج السياسى الروسى هو الذى يحظى بإعجاب ضئيل من قبل الاخرين، بل إن عودتها من جديد محدودة أيضاً جراء الفساد و الاقتصاد الذى تواجهه الدولة ويبدو وكأنه مستسلماً للركود.
ويُذكر أنه بعد تولى بوتين الرئاسة فى ديسمبر عام 1999، كان النمو الاقتصادى قويا بما فيه الكفاية لتصنيف روسيا من بين دول البريكس، مجموعة الدول سريعة النمو، وفى الوقت ذاته ارتفع دخل الروسيين وتحسنت المعاشات التقاعدية ومزايا الرعايا الاجتماعية وكانت تدفع جميعها فى الوقت المحدد، وهذا الامر له نصيب الاسد فى تفسير شعبية بوتين بين القاعدة الشعبية فى روسيا، فلم يحظى بالتأييد لانه وعدهم بجعل روسيا أقوى فحسب بل أيضاً لأنهم يرون انه حقق الاستقرار فى البلاد ورفع مستويات المعيشه بعد الفوضى والخراب اللذان شهدتهما البلاد فى تسعينيات القرن الماضي.
ولكن هذا الإنجاز قام فى الغالب على اسعار البترول والغاز، التى ارتفعت خمسة أضعافها منذ عام 1999، حيث كان الاعتماد على صادرات الطاقة اكبر مما كان عليه تحت حكم الاتحاد السوفيتي، إذ يشكل الان %75 من اجمالى الناتج المحلى الاجمالى مقابل %67 فى عام 1980، وبلغ إجمالى قيمة التجارة الثنائية ين روسيا وامريكا 28 مليار دولار فقط فى عام 2012، فى حين ارتفعت قيمتها مع الصين لتبلغ 87 مليار دولار، بالرغم من الحدود المشتركة بينهما لفترة طويلة والكميات الوفيرة من السلع، وعلى النقيض بلغت قيمة التجارة الثنائية بين امريكا والصين 555 مليار دولار.
وداخلياً، أدت تكاليف العمالة المرتفعة وانخفاض الانتاجية إلى جعل الصناعة الروسية غير تنافسية، لذلك تم استيراد معظم السلع المعروضة فى المحلات التجارية بالبلاد، واستمر راس المال فى الخروج من البلاد، جنبا إلى جنب مع الروسيين الشباب الموهوبين.
قبل عشر سنوات، كانت تتزن الميزانية الروسية إذ بلغ سعر البترول حوالى 20 دولاراً للبرميل، ولكن حتى تتزن الميزانية اليوم فهى فى حاجة لأن يكون السعر حوالى 103 دولارات، وقد تراجع مزيج البترول الخام الروسى إلى 108 دولارات، وفى الوقت ذاته، تتعهد طفرة الغاز الصخرى الجديد بخفض اسعار الغاز والبترول.
والان مع توقف ارتفاع اسعار البترول وتراجع تقديرات نمو الناتج المحلى الاجمالى إلى اقل من %1.5 فى عام 2013 وإلى %2 فى 2014، والأداء الاقتصادى الأفضل لأمريكا من جهة وبريطانيا من جهة أخري، ونمو اسرع لمنافسى روسيا من دول البريكس، البرازيل والهند والصين، فنجد أن روسيا فى نفس موقف نمو منطقة اليورو الضعيف والبلدان الضعيفة التى يسخر منها بوتين.
والمشكلة كالعادة هى الحكم، فقائمة الاصلاحات المطلوبة باتت مألوفة: قدرة تنافسية اكبر، تخصيص الشركات الحكومية، حماية أفضل للمستثمرين، نظام قانونى أكثر جدارة بالثقة، وإطار تنظيمى يتسم بالشفافية.
ولكن النظام لن يتمكن من تنفيذ مثل هذه التغييرات، نظرا لانه يمارس سيطرته السياسية من خلال تحكمه فى الاقتصاد، فالحفاظ على النظام الراهن فى روسيا لن يتم الا من خلال الايجارات الاحتكارية، وشركات مملوكة للحكومة، ونظام قضائى مرن، وشركات تعتمد على مصالح بوتين، وطالما يسود النظام السياسى الحالي، فسوف تظل روسيا ضعيفة اقتصاديا.
والأحداث الأخيرة فى أوكرانيا تبدو وكأنها إشارة إلى ضعف روسيا وليس قوتها، حيث لجأ يانكوفيتش وحكومته الفاسدة المقربة إلى بوتين إلى قمع المتظاهرين، واذا نجح الأوكرانيون فى رفض نموذج يانكوفيتش ووضع بلادهم على المسار الأوروبى الديمقراطى مرة أخرى، فقد يلهم هذا الأمر الروس لفعل الأمر ذاته.







