بقلم: إيريك سولهيم
يبتعد العالم عاماً واحداً عن موعد استيفاء أهداف التنمية الألفية التى وضعتها الأمم المتحدة فى عام 2000، ورغم أن نسبة الفقر المدقع انخفضت للنصف، ينبغى القيام بالمزيد لتحقيق أهداف الصحة والتعليم والبيئة والمساواة بين الجنسين، فما الذى يؤخرنا فى هذه المجالات؟
هناك طريقة لتسريع التقدم، وهى الحد من الكميات الضخمة من الأموال التى تتدفق بطريقة غير مشروعة من البلدان النامية إلى أصول وحسابات فى بنوك الدول الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وهؤلاء الذين يتلقون هذه الأموال مسئولون عن هذا الوضع المأساوى بقدر الدول الأخرى، ومع ذلك، بإمكاننا وقف هذه التدفقات وعكس اتجاهها.
وتبلغ قيمة الأموال المغادرة الأسواق النامية سنويا تريليون دولار أى حوالى ثلث الناتج المحلى الإجمالى لأفريقيا، بينما الحجم الحقيقى للأموال المحولة المخبأة فمستحيل التأكد منه، كما أن معرفتنا غير واضحة عن مصدر تلك الأموال، ولمن تنتمي، والطرق التى تتبعها، وأين تنتهي.
وتعد الإدارة الفقيرة فى الدول النامية أحد الأسباب الواضحة لهذه التدفقات الخارجة، ومع ذلك، فقد أظهر بحث لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن الدول الغنية أيضا مخطئة لفشلها فى وضع قوانين كافية لتعقب ومنع التحويلات المالية غير المشروعة.
ولا تهتم الحكومات سوى بنوعين من التدفقات المالية غير المشروعة، الأول يشمل النقدية من النشاطات الإجرامية مثل الاتجار بالبشر والمخدرات والتهريب والفساد، والأرباح التى يتم غسيلها من خلال شركات وهمية إلى البنوك الأجنبية والعقارات، أما النوع الثانى فيتضمن الأموال المشروعة التى تتهرب من الضرائب.
وفى كلتا الحالتين، تتطلب النقدية غير المشروعة الدخول إلى النظام المالى العالمى حتى تجد مخبأ آمنا، وليس من مصلحة أى دولة السماح بذلك، فبداية، تحرم التدفقات غير المشروعة الحكومات من إيرادات ضريبية يمكن استخدامها لتمويل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة الحيوية الأخرى.
ونتيجة ذلك، يتم ترك المعوزين دون مساعدة أو يتم فرض قوانين تلزم دافعى الضرائب بتمويل النقص، والأسوأ من ذلك، أنه بمجرد ان تزول الصفة غير المشروعة عن الأموال المهربة يتم استخدامها لتمويل نشاطات آخرى غير قانونية مثل الحروب الأهلية والإرهاب.
ويمكن كشف غاسلى الأموال والمتهربين من الضرائب من خلال تسليط ضوء الشفافية المالية عليهم، ولكن للأسف حتى أفضل الدول من حيث الإدارة لا تستطيع رؤية الصورة كاملة.
وبعد تحقيقات الشرطة النرويجية فى قضية العبارة الاسكندنافية «ستار» التى اشتعلت فيها النيران فى طريقها إلى الدنمارك فى 1990 مما تسبب فى مقتل 159 شخص، لم يتم تحديد مالكى السفينة حتى الآن.
ولا ينبغى أن يثير هذا الدهشة، فـ 27 دولة من الـ 34 دولة الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ليس بينها تبادل معلوماتى كاف، ولا يلتزم أى منها بتوصيات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية المتعلقة بغسل الأموال «FATF»، وينبغى أن تكون أولوية الجهات الضريبية والقانونية اكتشاف من يمتلك أى أصل، ومن أى أتى؟
وأفضل طريقة لتنفيذ ذلك هو التعاون والحوكمة الدوليان، ومع ذلك فالأموال مثل المياه ستجد دوما طريقها عبر الثغرات، إلا إذا تم احتواؤها بالكامل. فعلى سبيل المثال، لن تحقق مجهودات تحصيل الضرائب تقدما إذا استمر المسئولون الفاسدون فى اختلاس الأرباح، وبالمثل فإن تحسن تحصيل الضرائب لن يمنع الشركات متعددة الجنسيات من استخدام هياكل معقدة لدفع ضرائب أقل.
ولحسن الحظ، هناك إرادة سياسية متنامية لمعالجة تلك المشكلات، واتفقت مجموعة الثمانى ومجموعة العشرين مؤخراً على مشاركة المعلومات الضريبية، كما بدأت الحكومات فى سد الثغرات وإجبار الشركات على الكشف عن بيانات الملكية الكاملة.
وهذه النجاحات قد تعوق الجريمة، ولكن إلى حد معين، فلا يزال هناك مسئولون حكوميون يتقاضون رشاوى تصل إلى تريليون دولار سنويا من قبل الشركات والأثرياء، فإذا لم تُلاحق هذه الجرئم قضائيا ويُعاقب عليها بشدة فسوف تواصل الشركات غير الأمينة الاستهزاء بالقانون، بينما ستخسر الشركات المحترمة أعمالاً بسبب رفض دفع رشاوى.
وكلٌ له دور يلعبه فى تغيير المواقف والسلوكيات، وليس كافياً أن نلوم الدول النامية على سوء حوكمتها، بل يجب أن تتحمل الدول الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية حصتهما من المسئولية، وأن تنفذ التزاماتها بدلاً من النظر للآخرين.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت