بقلم: أندرو ماكنالى
يتفق الساسة بمختلف معتقداتهم على شىء واحد على الأقل، وهو ضرورة مواصلة البنوك للإقراض، فمنذ الأزمة المالية، كان الهدف الرئيسى للسياسة المالية هو جعل التدفقات الائتمانية مستمرة.
وبالفعل سعى الساسة وراء ذلك بطاقة وبراعة، وتمتد قائمة الأمثلة من برنامج البنك المركزى البريطانى «التمويل من أجل الإقراض» الذى أعطى حوافز للبنوك حتى يقدموا قروضاً جديدة، وعمليات التمويل طويلة الأجل للبنك المركزى الأوروبي، وخطة الحكومة البريطانية «المساعدة على الشراء» والتى تحد من خسائر البنوك على أنواع معينة من قروض الرهن العقاري.
وتمتلك كل هذه البرامج نفس المعتقد وهو أن الإقراض هو إكسير التعافى، وهو معتقد لا يشك فيه أى سياسى.
ولكن هل سيتحد اليمين واليسار السياسى بنفس هذا القدر إذا أدركا أن كثرة الائتمان تتسبب فى زيادة حدة عدم المساواة؟ فالارتباط بينهما واضح ومدمر، حتى إذا عزز الائتمان التوظيف لفترة، فإنه سيحرم معظم المجتمع فى النهاية من الأرباح من أجل مخاطر رأس المال.
ويبدو أننا نندفع مرة أخرى نحو انتعاشة يقودها الائتمان حيث تتمتع القلة بمزايا ضخمة بينما يعانى الكثيرون الإقصاء الاجتماعى والاقتصادي، فالائتمان مدمر للاقتصاد وسام اجتماعيا.
وعلى مدار 30 عاما، تضاعفت تقريبا نسبة أصول البنوك إلى الناتج المحلى الإجمالى فى الاقتصادات المتقدمة، وخلال نفس الفترة أصبحت عدم المساواة أكثر وضوحاً.
وهذا التوسع فى الائتمان ليس مسئولية قطاع الخدمات المالية وحده، إنما كان المطلب الشعبى من الحكومات بالإنفاق وتوفير المساكن والحاجة إلى التمويل لدفع ثمنها هو ما تسبب فى الانفجار الائتمانى الذى يقبع فى قلب عدم المساواة.
وأصبح القطاع المالى وعلى رأسه البنوك الاستثمارية المحرك فى ظل استعداد الحكومات والشعوب لعقد صفقات معها بشروط قليلة أو كثيرة، ولكن تحولت لصفقات خاسرة، ولم يكن تمويل التقدم الاقتصادى وحده بيد البنوك وإنما أيضا القرارات بشأن من يستفيد أكثر.
وعند تبسيط النظريات الاقتصادية العظيمة نجد أن الأصول القيمة واحدة من نوعين: السندات والأسهم، ويتلقى ممولو الأسهم العائدات قبل خصم الفائدة على السندات بينما يحصل حاملو السندات على الفائدة فقط، كما أن الأسهم يمكن حملها للأبد بينما السندات حتى يحين تاريخ استحقاقها، وعلاوة على ذلك، فإن عائدات الأسهم هى الآلية التى يتم بها تدوير المكافآت المالية للتقدم الاقتصادي.
وهذه الصفقات الخاسرة تعنى أن أصول المجتمع يتم تمويلها من خلال الديون بشكل غير مشهود من قبل، ومعظم الناس يدفعون مقابل ضمانات حكومية من أجل البنوك، وفى نفس الوقت، تمويل الأسهم متروك فى أيدى القلة القليلة، بينما تتم هيكلة قطاع البنوك بحيث تعيد توجيه العائدات وتسلبها بشكل متزايد.
وهذا هو قلب المشكلة، فالجميع يساهمون فى التقدم الاقتصادى بينما يستفيد القليل، وفى الاقتصاد الرأسمالى الذى يعمل بشكل جيد، يتم توجيه ضخ فوائد التقدم الاقتصادى مرة أخرى إلى المجتمع ككل، ولكن هذا لا يحدث كما ينبغي.
لذا بدلاً من الدعوة لعودة التدفقات الائتمانية مرة أخرى، ينبغى المناداة بتدفق الأسهم، فبينما تفكك الديون المجتمع، تجعلنا الأسهم شركاء، وفى الوقت الذى تتعرض فيه وظائف الطبقة المتوسطة للخطر، نحتاج للتحرر من النظام المالى الذى يركز ثروتنا طويلة الأجل فى عدد قليل من الأيدى.
ويجب على المشرعين أن يضمنوا ألا يتعدى دور البنوك كونها وسطاء فاعلين ليس إلا، كما أن إطلاق العنان للمنافسة سوف يقلل التعقيدات وعدم الكفاءة ويخفض الرسوم.
كما يجب على النظام الضريبى التوقف عن مكافأة الشركات على تحملها كميات مفرطة من الديون، وإنما يكافئها على استخدام التمويل من خلال الأسهم ، أما المدخرون فينبغى تشجيعهم على حمل أسهم حتى يشاركوا فى نجاح الشركات التى يمولونها.
وأياً ما كانت اتجاهاتنا السياسية، فمعظمنا رأسماليون ومؤمنون بأن السعى وراء الربح أمر جيد، ولكن نحتاج إلى التأكيد على القضية الأساسية للرأسمالية ونعيد التأكيد على دعمنا للشركات، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف نعيش فى مجتمع تتفشى فيه عدم المساواة بشكل متزايد، ولن نتعافى ونتطور كما نستطيع أو يجب.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز







