بقلم: محمد العريان
سوف يحسن الساسة فى أوروبا صنعاً إذا انتبهوا إلى تحذيرات مانويل فالس، وزير الخارجية الفرنسي، الذى وصف نتائج الانتخابات الأوروبية الأسبوع الماضى بأنها «صدمة، وزلزال ينبغى أن يتعامل معه كل القادة»، وهذا ليس لأن المشروع الأوروبى سوف يخرج عن مساره بسبب البرلمان الجديد، وإنما لأن الاستجابة غير الملائمة تنذر بالمزيد من الضرر لأعضائه بطريقة قد تكون أصعب من أن يتم إصلاحها من قبل أى حكومة.
وحتى الآن، شعر الكثير من القادة الأوروبيين التقليديين براحة كبيرة بسبب التحول الهائل فى الخارطة المالية للمنطقة، وفى أقل من عامين، انتقلوا من محاربة أزمة مالية إلى التمتع بفترة من السكينة حيث تراجعت الفروق بين عائدات السندات إلى مستويات منخفضة قياسية منذ أسبوعين.
ومع ذلك، تمت معاقبة بعضهم بشدة فى صناديق الاقتراع بسبب فشلهم فى الوفاء بما يهم المواطنين بالفعل خاصة النمو والوظائف وارتفاع مستويات المعيشة.
وكان أداء الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبى جيدا بشكل خاص فى الدول ذات بيانات النمو المخيبة للآمال، فنجاح الجبهة الوطنية (بفرنسا)، وحزب سيريزا اليونانى ملحوظ بشدة فى هذا الشأن، وتصدر كلا الحزبين استطلاعات الرأى فى بلدانهم قبل الانتخابات، وهذه النجاحات تعكس أكثر من مجرد الدعم الإيجابى من قبل المواطنين، فهى بمثابة تصويت سلبى من قبل هؤلاء الراغبين فى القيام بالتعبير بصوت عال على مناهضتهم للمؤسسة.
وتعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية مكاناً مناسباً بشكل خاص للتصويت المناهض الاستراتيجي، ومع ذلك من غير المرجح أن يؤدى هذا التصويت إلى تحقيق الأحزاب الصغيرة لأغلبية، فالمجلس التشريعى مكان يصعب فيه إقامة تحالفات قوية مع أحزاب وطنية مختلفة ومتباينة.
لكن تلك الأحزاب بإمكانها بالتأكيد إحداث الكثير من الضوضاء للفرع التنفيذى فى بروكسل، ولكنها لا تمتلك قوة حاسمة عندما يتعلق الأمر بتغيير الكثير من السياسات الأوروبية المؤثرة، كما أن تأثيرها المباشر على الدول الفردية محدود أكثر، وبالتالي، ورغم ما يشير إليه البعض، فإن البرلمان الجديد لن يهدد بشكل مباشر استكمال مشروع التكامل الأوروبى التاريخي.
ومع ذلك، فإن فالس محق فى حثه للحكومات على الاستماع والاستجابة لهذه الرسالة، وأن يفعلوا ذلك من خلال كونهم أكثر جدية بشأن معالجة المشكلات التى تعوق النمو والوظائف.
ويخبر الناخبون حكوماتهم الوطنية بوضوح أن الوقت قد حان لكى يتصرفوا بالمزيد من القوة والحسم بشأن ما تدركه الغالبية غريزيا وهو أن الاستقرار المالى ضرورة ولكنه شرط غير كاف لتعزيز النمو المستدام ولخلق الوظائف بقوة.
وتعد الحكومات محظوظة حقا لقدرتها على تحويل المسئوليات السياسية إلى البنك المركزى الأوروبى الذى تعهد بالقيام “بما قد يتطلبه الأمر” وتحت القيادة الجريئة لماريو دراجي، ولكنهم مخطئون فى التصرف وكأن المركزى الأوروبى لديه كل الحلول.
وفى ظل احتمالية اتخاذ المركزى الأوروبى للمزيد من “التدابير غير التقليدية” التكيفية قريبا، فينبغى على الحكومات أن تستغل نتيجة الانتخابات المفاجئة تلك كمحفز للتركيز على القيام بما لا يستطيع الفيدرالى القيام به مثل تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتحسين الإنتاجية، وإصلاح الأسواق الرئيسية، وتحسين التنافسية، وكل ذلك بطريقة شاملة ومستمرة ويمكن تفسيرها للمواطنين بسهولة.
وحتى الآن، يقتصر ظهور هذه الأحزاب على دول قليلة، كما أنه يعكس تحول السلوك الانتخابى عن الدعم الحقيقى والدائم، وبذلك، فهو لا يتعلق بإعاقة مساعى التكامل الأوروبى سواء على المستوى الإقليمى أو الوطني.
ولكن إذا استمرت الحكومات الوطنية فى ترددها فى معالجة ما يغذى هذا الاحتجاج – أى إذا تصوروا أنهم إما مرهقين للغاية أو غير ملتزمين لتعزيز النمو الشامل – فإن المسألة حينها ستكون مسألة وقت قبل أن تبدأ حركة الاحتجاج فى شل التشريع المحلي، وبذلك، ستتقوض المكونات الحاسمة للمشروع الأوروبى الحيوى والقوى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز








