لا أحد يعلم لماذا ألغى إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وزارة الاستثمار فى حكومته الأولى وماذا تغير لكى يقرر عودتها فى حكومته الثانية وهو ما يدعو إلى تساؤلات عديدة ليس بشأن عودة الوزارة أم لا ومن يتولى حقيبتها ولكن بدور تلك الوزارة وأهميتها لأى حكومة جادة فى تشجيع الاستثمار ومدركة أنه الطريق الوحيد للتعامل مع الأزمات والمشكلات الهيكلية التى يعانى منها الاقتصاد وسبيل تحقيقه لمعدلات نمو تتناسب مع احتياجات مواطنيه.
وقبل انعقاد مؤتمر ترويجى مهم للاستثمار منذ عدة أشهر وخلال إعداد الجهات الحكومية للمشروعات التى ستطرح على المستثمرين المتوقع مشاركتهم من الخارج اتصل مسئول حكومى رفيع المستوى بإحدى الجهات التابعة له سائلاً رئيسها عما اذا كان لديه ما يمكن عرضه فى المؤتمر من فرص استثمارية قائلاً له: «عاوزين مشروعين نفهيصهم فى المؤتمر».
وخلال المؤتمر نفسه عرضت الحكومة ممثلة فى وزارة النقل على أحد كبار رجال الأعمال العرب المشاركة فى تمويل مشروع القطار السريع الذى يتكلف عدة مليارات من الدولارات على طريقة «الفهيصة» أيضاً إذ عاد رجل الأعمال لبلده وظل يحكى لمن يقابلهم من المستثمرين عن اندهاشه من طلب المسئولين المصريين تمويلاً بهذا الحجم دون دراسة جدوى واضحة أو إسناد لبنك استثمار عالمى للقيام بالترتيبات والدراسات المالية والفنية وعمليات الترويج المرتبطة بهذا الاستثمار.
وفى مؤتمر ترويجى للاستثمار مع إحدى الدول الخليجية الكبرى بمشاركة سفيرها وعدد من الوزراء قال لى أحد كبار المستثمرين العرب فى مصر ممن حضروا المؤتمر لا تنخدع بالمشاركة لأن أحداً لن يستثمر فى دولة يرفض مسئولوها اتخاذ قرارات واضحة وحاسمة لحماية الاستثمار ويكتفون باصدار القوانين والمؤتمرات وفى النهاية يخافون من التوقيع على أى قرار «مفيش حد بيمضي» على حاجة.
وفى ظل أزمة طاحنة تمر بها البلاد فى الطاقة تهدد حاضر ومستقبل أبنائها واتفاق عالمى ومحلى على أن الطاقة الجديدة تمثل شرياناً جديداً للحياة فى مصر واستعداد القطاع الخاص للاستثمار بقوة فى المجالات المرتبطة بالطاقة الجديدة عقدت شركة بزنس ميديا جروب الشقيقة لجريدتى البورصة وديلى نيوز ايجبت مؤتمراً يومى 17 و18 فبراير الماضى شارك فيه وزيرا الكهرباء والبترول آنذاك ـ أحمد إمام وشريف إسماعيل ـ ونخبة من شركات وخبراء الطاقة الجديدة وأكد الجميع أن اصدار قرار بالتعريفة المميزة لشراء الطاقة الجديدة من المنتجين والتى نقل عما تتحمله الدولة حالياً من تكلفة لكل كيلووات تنتجه بالطريقة التقليدية كفيل بضخ مليارات الجنيهات فى هذا القطاع بما ينعكس إيجابياً على حجم الاستثمارات وتوفير مصادر جديدة للطاقة فى ذات الوقت ومرت الشهور دون اتخاذ قرار رغم مناقشة الأمر عدة مرات فى مجلس الوزراء.
إذن نحن أمام طريقة ومنهج فى التعامل مع الاستثمار اسمه «الفهيصة».. خرائط مشروعات ومؤتمرات وجولات خارجية ومشروعات يعاد طرحها عشرات المرات وتصريحات حول تسهيل وتبسيط اجراءات الاستثمار فى حقيقتها تعقيدات وبيروقراطية وتأخير فى القرارات المرتبطة بعملية الاستثمار. هل يحتاج البلد لوزارة استثمار من أجل زيادة حجم تصريحات «الفهيصة» بالطبع لا.. اما اذا كانت الوزارة ووزيرها سيقومان بدور بنك استثمار الحكومة الذى يقوم بالإعداد للمشروعات ومناقشتها مع الوزارات المختلفة ويتولى اسنادها للشركات والبنوك المحلية والعالمية لترويجها وجذب المستثمرين إليها بطريقة احترافية وتقديم النصحية والمشورة لجميع الوزارات والمحافظات فى كيفية تدبير الاحتياجات التمويلية للمشروعات خارج الموازنة العامة للدولة وطرح مبادرات للمشروعات أمام القطاع الخاص لتنفيذها منفرداً أو بالشراكة مع الحكومة.
وزير الاستثمار يتقاطع عمله مع جميع الوزارات الأخرى لذا فإنه اما يكون وزيراً لديه من الخبرة الفنية والعملية والقدرة على التعاون مع جميع أعضاء الحكومة وأن يحصل على مساندة واضحة من رئيس الحكومة بأن تقاطع عمله مع الوزراء الأخريين لا يمثل تدخلاً فى اختصاصاتهم بقدر ما هو مساند لهم فى تحقيق الخطط الخاصة بقطاعاتهم وفى دولة المغرب شهد الاستثمار الأجنبى المباشر زيادة ملحوظة بعد تكليف كل وزارة وهيئة برقم للاستثمار المباشر عليها جذبه سنويا مما دفع إلى حالة من المنافسة بين الجهات لتقديم فرص الاستثمار والترويج لها وهو ما نحتاجه فى مصر لابد ان تتحول مهمة جذب الاستثمارات إلى معيار رئيسى فى تقييم المحافظين والوزراء.
وبعيداً عن «فهيصة» التصريحات المتعلقة بإدارة قطاع الأعمال العام لابد ان يتم إعادة هيكلة التنظيم القانونى والمؤسسى للقطاع بغض النظر عن المسمى سواء استمر كشركات قابضة أو صندوق سيادى فالأهم هو تبنى استراتيجية واضحة فى التعامل مع الشركات العامة وماذا ستفعل الدولة فى الشركات الخاسرة وفى فائض العمالة فى عدد غير قليل من الشركات أم سيظل ملف قطاع الأعمال مفتوحاً بلا نهاية وخطراً تفضل الحكومات تجاهله وتركه لغما قابلاً للانفجار فى وجه من يأتى بعدها ولا يمكن لأى وزير ان يفعل شئياً فى إعادة هيكلة وإدارة قطاع الاعمال بدون رؤية واحدة للحكومة، بل والرئاسة للتشابك الشديد بين ما هو سياسى وما هو مالى واقتصادى فى مصير شركات قطاع الأعمال.