موضة الحكومة الآن هى نزول الوزراء لمواقع العمل والشارع بعد تبنى المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة لهذا الأسلوب وأيضاً الصحيان بدرى والعمل 7 الصبح استجابة لمبادرة رئيس الجمهورية الجديد وكالعادة الإعلام يهلل بلا موضوعية وكأن المشكلات تم حلها بالشو الإعلامى المصاحب للموضة الجديدة.
ومن غير الموضوعية ان نعتبر نزول الحكومة للشارع ومواقع العمل والتعرف على المشكلات المجتمعية غير مفيدة إلا أننا نحتاج إلى تقييم حقيقى لتأثيرها على حياة الناس والميزة البديلة للمجتمع التى يمكن تحقيقها إذا انفقت الحكومة وقتها فى إعداد نظم متطورة لأداء الأعمال وحل المشكلات فى البلاد وآليات للرقابة والمتابعة لأن غالبية ما قام به رئيس الحكومة ووزراؤه حتى الآن من جولات لم تضف معلومة جديدة لأى أحد سوى إنتاج مادة صحفية وإعلامية.
هل تحتاج اشغالات وسط البلد والباعة الجائلون لزيارة رئيس الحكومة لكى يعرف حجم الفوضى فى الشارع والذى تناولته وسائل الإعلام مئات المرات ورصدته الأجهزة الحكومية فى تقاريرها على مدار السنوات الماضية؟ وهل نزول رئيس الوزراء كفيل بحل تلك المشكلة أم وجود حلول بأسواق بديلة وغيرها ينفذها كل وزير ومحافظ ومسئول فى حدود نطاقه وفقا لموعد لإنجاز تلك المهمة يحدده رئيس الوزراء؟
وهل ستنتظر مشكلات البلاد شمالاً وجنوباً زيارة السيد رئيس الوزراء حتى تتحرك أجهزته التنفيذية لإيجاد حلول لها؟
وهل تمثل زيارة وزير الصحة لمستشفى الزيتون أمس ودخوله من باب الطوارئ مفاجأة كما أدعت وسائل الإعلام؟ فى رأيى المفاجأة الوحيدة هى أن وزير الصحة فوجئ بأن الشو الإعلامى أهم كثيراً من الحل الحقيقى للأزمات لأنه من البديهى علم وزير الصحة بأحوال المستشفيات فى مصر وتدنى مستوى الخدمة وطابور الانتظار لإجراء عمليات تأخرها يعنى وفاة المريض فى حالات كثيرة ويعلم أن السادة الأطباء مشغولون فى عياداتهم الخاصة ومراكزهم الطبية التى تعمل بلا ضابط ولا رابط فماذا ستغير تلك الزيارات؟!.. الحقيقة لا شئ والحقيقة أن أى قرار بعقاب مدير أو رئيس جهة بناءً على هذه الزيارات لا تحقق سوى شو إعلامى لمتخذ القرار لن يستفيد منه المواطن فى شئ.
وبينما تهلل وسائل الإعلام للصحوة الحكومية ذهبت لاستخراج جواز سفر لابنتى فطلبت مصلحة الجوازات شهادة قيد باعتبارها طالبة لأنها تجاوزت الـ12 عاماً بشهر وعندما سألت لماذا 12 عاماً لم يرد أحد.. طب إيه الفارق بين 11 و12 … هات لينا شهادة قيد!
توجهت فى الصباح الباكر لإدارة المدرسة وحصلت على شهادة قيد «بس لازم تختمها من الإدارة التعليمية» قلت بسيطة ختم النسر الشريف مش هياخد وقت وهيعتمدوا شهادة المدرسة.
داخل إدارة مدينة نصر التعليمية يوم كامل لكى اعتمد شهادة قيد واتخيل زيارة مفاجئة لوزير التعليم وأنا كصحفى أكتب عن السهولة التى يحصل بها المواطنون على الخدمات وحرص الوزير على اتخاذ قرارات ثورية مع أصحاب العقول العقيمة داخل وزارة هدفها تربية العقول».
مجموعة من الموظفين لا تكاد تراهم وسط المجلدات المتراكمة من عشرات السنوات وحول مبنى الإدارة يوجد ممر عرضه متر شخص ما عبقرى قرر ان يكون التعامل مع المواطنين من خلال شبابيك حديدية على هذا الممر لتجد نفسك وسط زحام يسهل اتهامك فيهه بالتحرش وتقف طابور ينتهى بك أمام سيدة فاضلة تنفذ ما أملاه عليها شخص بالتأكيد لا يستحق ان يستمر فى موقعه يوماً وعندما اعترضت على تكرار الخطوات وكتابة بيانات عدة مرات بلا معنى والوقوف فى الطابور كل مرة قال ليّ زميل لها »عاوز تعترض عندك الوزير هى دى التعليمات».. قلت خلاص هو لازم الواحد يعترض خلينا مع الأغلبية … روح هات حوالة بريدية بـ10 جنيهات وطابع دمغة بجنيه، منين حضرتك تخرج برة المبنى وتمشى يمين فى شمال وبعدين اسأل.. بعد طابور فى مكتب البريد عملت الحوالة بـ10 جنيهات وعدت للإدارة وقفت طابور.. خد الطلب ده إملاه.. تخرج من الطابور.. اكتب اسم البنت والسنة الدراسية ورقم الجلوس وشوية تفاصيل تانية.. ارجع للطابور.. قدم الطلب.. يتم لصق الطابع وتسلم الحوالة.. تعالى بقى يوم الأحد استلم شهادة القيد.. قلت لأه كدة كتير انبرت سيدة فاضلة معلنة دون كلام أنها كفيلة بالتصدى لهذا المواطن «الأنزوح» اللى مش عاجبه دولاب العمل الحكومي.. اختطفت الأوراق من يد زميلتها ووضعتها فى يدي.. روح هات ختم القطاع.. طبعا زى الاهبل سألت قطاع إيه ردت اللى مدرسة بنتك تابعة ليه.
أخذت أوراقى وقلت لأه أكيد فيه مسئول رشيد داخل الإدارة.. مكتب وكيل الإدارة.. مش موجودة سكرتيرتها.. انت تروح للأستاذة فلانة.. روحت قالت ليّ آه لازم تروح القطاع عدت لمكتب الوكيل.. اعمل زى الأستاذة ما قالتلك.. وعندما أبديت اعتراضى.. أشارت بيدها لمكتب المدير العام آخر الطرقة.. قلت فى نفسى يبقى كده خلصت.. ذهبت لسكرتيرته وطلبت مقابلته رجل خمسينى العمر يرتدى بدلة صفراء يجلس فى حجرة مكيفة جداً فيما يتعرض موظفو إدارته للشواء فى نار الصيف للأمانة بعض المكاتب بها مراوح سقف زى بتاعة محلات عصير القصب المهم عرفته بنفسى وشرحت له اننى لا أطلب شيئاً سوى شهادة بتقول ان البنت فى مدرسة كذا سألنى هى ابتدائى ولا إعدادى ففهمت انه يبحث عن مخرج للتخلص منى فحاولت المراوغة قلت له زى ما تحب السنة اللى فاتت كانت ابتدائى ورايحة اعدادى السنة الجديدة فبادرنى كده تبقى ابتدائي.. هما قالولك إيه.. روح القطاع.. فإذا به يخرج برد ملهم «طيب ما تروح القطاع».. لم أتمالك نفسى هل هذا مدير عام منوط به إدارة مؤسسة تعليمية فقلت له يعنى حضرتك شايف انه طبيعى علشان استخرج شهادة قيد أروح المدرسة ثم الإدارة ثم القطاع ثم أعود للإدارة مرة أخرى لتختمها فرد «آه طبيعي» إيه المشكلة فلم أزد من القول سوى السلام عليكم.. ففهم ان نبرتى تحمل امتعاضاً فرد عليا بامتعاض أكبر وكأنه يقول فى عقله الباطن «ايه الأشكال دي».
استسلمت وذهبت إلى القطاع مبنى قديم يشعرك انك تدخل مستشفى متهالك وفى آخر الطرقة مكتب تجلس به مجموعة من السيدات تشير إليك بججرة المديرة سيدة متعاونة تجلس فى حجرة مكيفة تكاد تكون الوحيدة فى القطاع سألتنى عن الحوالة البريدية وتأكدت اننى أديت حق الدولة وتسلمت شهادة المدرسة لتحتفظ بها وتخرج شهادة من مكتبها تعيد كتابة البيانات بها وتختمها بختم النسر إلا ان الاستمارة مزيلة بعدة توقيعات وخاتم آخر لابد من استيفائه من الإدارة عدت إليها وحصلت على التوقيعات وخاتم النسر.
هذه التحركات بين 4 مواقع داخل مدينة نصر استغرقت عدة ساعات واسفرت عن زحام مرورى ولكنها أيضاً أوجدت باب رزق لسائق التاكسى الذى رافقنى فى رحلة الحصول على شهادة القيد.
نسيت حاجة مهمة جداً أننى خلال خروجى من القطاع سألنى أحد الأشخاص على السلم «مش عاوز عيش بلدى».. فابتسمت ورديت عليه لأه «مفيش عندك فراولة»!.
مصر دولة كبيرة ولم تعد المركزية تجدى فى مواجهة مشكلاتها كل مسئول يجمع من يترأسهم يشرح لهم استرتيجية البلاد فى هذه المرحلة ويضع جدولاً زمنياً لهم لتنفيذ تطوير مؤسساتهم والا سنظل طويلا نغنى تسلم الأيادى «بُشرة خير» و«مصر هتبقى قد الدنيا».. بس محدش عارف امتى؟!.