تشكل المهارات المستقلة سوق عمل رديف، حجمه العالمي تريليونا دولار، تفتح له المنصات المختصة بابًا واسعًا للتواصل مع الشركات، ليكون مفهوم المهارات غب الطلب سمة من سمات العولمة الرقمية في ميدان الأعمال.
إنه عصر السرعة في كل شيء، والتوفير في كل شيء. ما عاد سوق العمل هو الذي يعرفه العالم منذ عقد مضى، فالتسارع التكنولوجي يحتم على هذا السوق التبدّل ليواكب متطلبات العصر أكثر فأكثر.
وما عادت الشركات كما نعهدها، بناء بصالات تعج بالموظفين، الذين يكلفون المؤسسات تكاليف تشغيلية كبيرة، بل صارت السحابة الحوسبية هي مكان العمل، يراودها الموظفون المستقلون العاملون لحسابهم الخاص، فيدعون فيها الأعمال التي يكلفون بها من بعيد.
ثمة منصات إلكترونية كثيرة تعمل على لعب دور همزة الوصل بين الشركات والمهارات، من دون أن تكون مركز توظيف. فهي تقدم مكانًا للقاء الشركات والمهارات المستقلة، لتنشأ بينها صلات عمل، تؤدي بالنهاية إلى تعامل مشترك، من دون توظيف تقليدي.
من هذه المنصات Elance.com و oDesk.com، التي تجمع على صفحاتها الالكترونية اكثر من مليوني شركة وثمانية ملايين عامل مستقل، وقد وصل حجم عملهما إلى نحو 750 مليون دولار في العام 2013.
ريتش بيرسون، نائب الرئيس في الشركة التي تشغل المنصتين، كان حاضرًا في قمة عرب نت الرقمية، التي عقدت في دبي في الثالث من حزيران (يونيو) الماضي، وتكلم عن التبدلات التي فرضتها الثورة الرقمية على سوق العمل، بعدما دخلت التكنولوجيا عاملًا مؤثرًا في هذا السوق، من حيث هيكليتها البنيوية والمالية.
قال بيرسون بحسب موقع “إيلاف”: “نعيش في عصر الاتصال بدون انفصال على نحو متزايد، وقد آن أوان إعادة إنشاء سوق العمل من جديد، على أسس مختلفة ومبتكرة، وهذا ممكن الآن لأن التكنولوجيا تمكن المهنيين من حرية في العمل تجعلهم أكثر مرونة وقدرة على الاتصال مع الشركات في الوقت الحقيقي”.
بالنسبة إلى بيرسون، هذا مشابه تمامًا لانتقال البرمجيات والتخزين والاتصالات إلى الحوسبة السحابية، “وبات ممكنًا للمواهب أن تنتقل إلى السحابة نفسها، ما يسهل تلاقي المهنيين والعمل معًا عبر الإنترنت، من دون التزامات مكانية”.
يتواصل مئات الملايين من الناس بسهولة غير مسبوقة للمرة الأولى، كما يتواصل المهنيون المستقلون، العاملون لحسابهم الخاص، بسلاسة مع الشركات عبر الإنترنت، فيكونون مهارات غب الطلب، يلبون حاجات الشركات التي تستفيد من قدراتهم لتتحرك بشكل أسرع فتنمو. ويشبه بيرسون ما يحصل بتجربة موقع الأمازون، الذي أعاد ابتكار مفهزم التجزئة، وبتجربة آي-تيونز التي حولت الموسيقى إلى صناعة.
يقول: “في Elance.com و oDesk.com العرق والجنس والمكان مسائل غير مهمة، فالتعاقد يعتمد على المهارات فقط، ونحن نعتقد أن هذا أفضل ما يمكن أن يحصل، لأن المهارة هي التي تبني القوة العاملة الرديفة، أي العاملة لحسابها الخاص، فتساعدها على تشكيل نوع من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وثمة مهنيون يعملون لحسابهم الخاص اصابوا نجاحًا لا يصدق، وبدأوا توظيف آخرين لمساعدتهم على مواكبة الطلب المتزايد على خدماتهم، وكسب المزيد من الأعمال”.
بحسب حسابات بيرسون، يصل حجم سوق العمل الرديف عالميًا إلى تريليوني دولار، بينما يبلغ حجم سوق التوظيف التقليدي 422 مليار دولار، “فقد نضجت هذه الأسواق وحان قطافها من خلال إعادة ابتكارها بتوثيق التواصل الرقمي، مع ما تفتحه التكنولوجيا الجديدة من آفاق مرنة في العمل الحر، وأرى أن العمل عبر الانترنت يربك التوظيف التقليدي، بالسماح للشركات للاستفادة من المواهب المتاحة عبر الإنترنت، ومن هنا نتوقع أن يتجاوز حجم العمل من خلال Elance-oDesk 900 مليون دولار في العام 2014”.
يعتقد بيرسون أن العمل التشاركي ومحاور العمل work hubs ستطغى قريبًا على مكاتب العمل التقليدية، “حتى أننا وقعنا شراكات مع عشرات منها، ومن خلال هذه الشراكات، كوّنّا فريقًا لا يقتصر عمله على أداء المهام الموكلة إليه بل يقدم أيضًا الدعم للمجتمع الأوسع، من خلال كوبونات توظيف وخدمات استشارية وإرشادية، طبعًا هذا لا يعني بالضرورة التخلي عن منظومة المكاتب التقليدية في وقت قريب”.
وبيرسون مؤمن بدمج المنظومتين التقليدية والعاملة لحسابها الخاص في قوة عاملة تشاركية، والتوظيف مستمر من خلال منصتيه على الجبهتين، بمعدل عاملين لحسابهما الخاص لكل موظف تقليدي.
يرى بيرسون نموًا كبيرًا في سوق العمل بالإمارات، حيث توظف الشركات موظفين مستقلين يعملون لحسابهم الخاص أكثر من العام الماضي بنسبة 50٪، معتمدين صيغة “مهارات غب الطلب”. ويتوقع أن تنفق الشركات في الإمارات 20 مليون دولار في التعاقد مع موظفين مستقلين من خلال Elance.com وoDesk.com في العام 2014.
ويقول لـ”إيلاف”: “سيقوم مستقبل الأعمال على شركات من جميع الأحجام، يمكنها الوصول إلى المواهب والمهارات حين تطلبها، من خلال منصات مثل Elance.com وoDesk.com، ونحن نشهد تبنيًا متسارعًا عالميًا في هذا المجال، لأن الشركات تدرك أنها يمكن أن تكون أكثر فطنة فتتواصل مع مهنيين موهوبين مستقلين عبر الإنترنت، ما يولد أعمالًا مجدية، وستصل عبر منصتينا إلى زهاء 900 مليون دولار في العام 2014”.
وبالرغم من هذا الطريق السريع نحو العمل من بعيد، لا ينفي بيرسون الدور المستقبلي لمؤسسات الفكر التشاركي، إذا كان الجميع سيبقى في منزل للعمل، “ولا أعتقد أننا سنكون يومًا بغنى عن البحوث حول موضوعات مختلفة في السياسة الاجتماعية والاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة”.








