دكـتـور محمد السيد محمد عطية برس
مدير إدارة التـشريع الضريبى ومحاضر بكلية الحقوق جامعة حلوان
يُعد النظام الضريبى انعكاساً للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة فى الدولة التى يطبق فيها هذا النظام، وتمثل السياسة الضريبية مكانة بارزة بين أسلحة السياسة الاقتصادية والمالية للدولة، باعتبارها إحدى أهم الآليات المتاحة لتهيئة المناخ الاستثمارى، بما يتفق مع هدف التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة.
ومعلوم أنه يوجد مفهومان للنظام الضريبى، أحدهما ضيق: يتمثل فى مجموعة القواعد القانونية التى تمكن من الاستقطاع الضريبى فى مراحله المتتالية، من التشريع إلى الفحص والربط ثم التحصيل، وثانيهما واسع: يتمثل فى جميع العناصر الأيديولوجية والاقتصادية والفنية التى يؤدى تركيبها معاً وتفاعلها مع بعضها البعض إلى كيان ضريبى معين.
وفى هذا المعنى الواسع يصبح النظام الضريبى فى الواقع صياغة وترجمة عملية للسياسة الضريبية فى المجتمع من أجل تحقيق أهدافها، التى تتمثل عادة فى تحقيق حصيلة ضريبية ملائمة لتمويل برامج النفقات العامة للإصلاح الاقتصادى للدولة، بالإضافة إلى رفع مستويات الكفاءة الاقتصادية فى استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وفوق هذا كله تحقيق العدالة الاجتماعية فى توزيع الدخل بين أفراد المجتمع، حيث لم يعد تحقيق العدالة مطلباً اجتماعياً فقط، وإنما اصبح مطلباً ضرورياً يرتبط بتحقيق الأمن القومى فى المجتمع ككل.
ولذلك استقر الفكر الاقتصادى والمالى الحديث على أن هناك ثلاثة أهداف اساسية للإصلاح الضريبى الكفء، أولا هدف مالى: يعنى توفير أكبر حصيلة مالية ممكنة، لتستخدمها الدولة فى القيام بدورها تجاه المجتمع، ثانيا هدف اقتصادى: حيث يمكن أن يؤدى الإفراط فى فرض الضريبة إلى آثار سلبية على الاستثمار والانتاج، وبالتالى تؤثر سلباً على تواصل تيارات الإيرادات السيادية فى المستقبل. ثالثا هدف الاجتماعى: يعنى تخفيف العبء الضريبى عن الفقراء من أبناء المجتمع والتقريب بين طبقات المجتمع، بحيث يسهم كل فرد فى الدولة ضريبياً حسب مقدرته التكليفية من أجل ضمان العدالة الضريبية، بمعنى أن يكون عبء الضريبة الذى يتحمله كل ممول حسب مقدرته المالية.
ورغم التسليم بأن الموازنة بين الأعتبارات المتعارضة للعدالة والكفاءة والحصيلة هى بيت القصيد بالنسبة لتصميم نظام ضريبى كفء، تظل عدالة توزيع الأعباء الضريبية القضية الأهم على الطلاق، حيث يؤمن البعض بالعدالة فقط كأساس للنظام الضريبى المنشود.
وهكذا يحتل هدف تحقيق العدالة الاجتماعية فى توزيع الدخل باستخدام السياسة الضريبية أهمية كبيرة فى كل من الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، خاصة مع اتساع الفجوة الداخلية بين الأغنياء والفقراء، بالإضافة إلى أن العديد من تجارب التنمية فى الدول المتخلفة اقتصادياً، قد أثبتت عدم صحة الادعاء القائل، بأن ثمار التنمية الاقتصادية ستتوزع فى النهاية، بصورة اكثر عدالة بين افراد المجتمع، فى حين أن الذى تحقق فى الواقع المصرى خلال العقود الماضية كان تزايداً باستمرار واضطراداً فى عدم المساواة فى توزيع الدخل.
وحتى تنجح السياسة الضريبية فى تحقيق العدالة فى توزيع الدخول فى المجتمع، ينبغى أن تتسم الضرائب بالتصاعدية. حيث إن الضريبة التصاعدية لا تفرض بنسبة واحدة، وإنما بنسب متغيرة بتغير قيمة الوعاء أو المادة الخاضعة للضريبة، فتقل النسبة فى حالة الدخول البسيطة، بينما تزداد كلما ارتفع وعاء الضريبة، وفى هذا مراعاة للمقدرة التكليفية للممول، كما تعتبر الضريبة التصاعدية أداة لإعادة توزيع الدخل القومى فى المجتمع لصالح الطبقات الفقيرة.
كما يمثل اتجاه الدولة إلى فرض ضريبة على توزيعات الأرباح عن الأسهم والحصص التى يحصل عليها الشخص الطبيعى من شركات الأموال أو شركات الأشخاص، وكذلك على الأرباح الرأسمالية التى تتحقق من التصرف فى الأوراق المالية أو الحصص بالشركات، سواء تحققت هذه الأرباح بمصر أو فى الخارج، فيما يعرف بالضريبة على أرباح البورصة وعلى التوزيعات، خطوة مهمة، وذلك فى مشروع القانون الذى يتم اعداده الآن، ويدور حوله الكثير من الجدل رغم أنها ضريبة مفرضة فى العديد من دول العالم وبأسعار أعلى مما ورد فى مشروع القانون، حيث يعد هذا المشروع فى حالة إقرارة تطوراً مهماً للنظام الضريبى المصرى ومطلباً ثورياً تأخر كثيراً، فى سبيل دعم الموازنة العامة للدولة وإقرار العدالة الضريبية فى المجتمع المصرى، حتى تصل الضرائب لكل الأموال وكل الأشخاص فى مصر.
وهكذا تخدم توجهات المشرع الضريبى فى القانون رقم 91 لسنة 2005 للضريبة العامة على الدخل، من حيث توسيع المجتمع الضريبى وشمول الأوعية الخاضعة، كلاً من اعتبارات العدالة والحصيلة فى نفس الوقت، كما تعمل على تحسين كفاءة النظام الضريبى، فلا خلاف على أن تقييد الإسراف فى الإجازات الضريبية وإدماج القطاع غير الرسمى فى منظومة الاقتصاد المنظم ومكافحة التهرب الضريبى هى أمور من شأنها تحقيق العدالة الضريبية للمجتمع المصرى، ولذلك صار إعفاء شريحة أولى من الدخل من الخضوع للضريبة مسألة مسلماً بها فى جميع النظم الضريبية، وذلك لتحقيق العدالة التى تستلزم ألا يدفع الفقراء من الضرائب إلا حسب مقدرتهم التكليفية.
ومع ذلك ورغم استقرار الأمور فى مصر منذ أول قانون لضرائب الدخل رقم 14 لسنة 1939 وحتى القانون رقم 187 لسنة 1993 المعدل للقانون رقم 157 لسنة 1981 والسابق على القانون رقم 91 لسنة 2005 الحالى على التفرقة بالنسبة لحد الأعفاء للأعباء العائلية، بين الممولين بحسب الحالة الاجتماعية لهم، وإن استمرت الشكوى قائمة من انخفاضه وعدم تماشيه مع تكلفة الحد الأدنى للمعيشة، إذا بالقانون 91 لسنة 2005 ينص فى المادة (7) على أن «تستحق الضريبة على ما يجاوز خمسة آلاف جنيه من مجموع صافى الدخل الذى يحققه الممول المقيم خلال السنة»، كما نص فى المادة (13) على أن: «يعفى من الضريبة مبلغ 7000 جنيه إعفاء شخصياً سنوياً للممول…» بعد تعديلها بالقانون 11 لسنة 2013.
