بقلم: جدعون راتشمان
عندما شاهدت الأسبوع الماضى المتحدث باسم البيت الأبيض يقول إن قصف إسرائيل لمدرسة الأمم المتحدة لا يمكن الدفاع عنه تماماً، اعتقدت لفترة وجيزة أننى رأيت شيئاً جديداً، ومن المؤكد أن الأمريكيين لم يكونوا يوما بهذه القوة فى إدانة إسرائيل، ولكن ذكرنى أحد الزملاء بأن حصار إسرائيل لغرب بيروت عام 1982 قد حث الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان بالاتصال هاتفيا بمناحيم بيجن، رئيس الوزراء الاسرائيلى آنذاك، واتهمه بارتكاب إبادة جماعية، فلا يوجد شىء جديد بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية التى تقتل مئات المدنيين، كما أنه لا يوجد شىء جديد حيال الاحتجاجات الدولية التى تثيرها.
وخلال الاثنين والثلاثين عاماً منذ اتصال ريجان بيجن، سقط جدار برلين، وانهار الاتحاد السوفيتى وتحولت الصين وانتهى الفصل العنصرى وأحدث الانترنت ثورة فى الاتصالات، ولكن الصراع الاسرائيلى الفلسطينى توالى عليه انتفاضتان وثلاث غزوات على غزة، بالإضافة إلى المزيد من الحروب فى لبنان ومبادرات سلام فاشلة لا تعد ولا تحصي.
وفى الوقت الذى لا يزال الإسرائيليون والفلسطينيون عالقين فى صراع دموي، فإن المنطقة حولهم تتغير سريعاً، وهذه التغييرات الآن تجعل اسرائيل الآن أقل عرضة للإدانات الدولية، وعلى المدى الطويل، تشير التحولات فى القوة العالمية بأن مستقبل اسرائيل سوف يكون قاتما، خاصة إن لم تبرم سلاماً مع الفلسطينيين.
وتستفيد إسرائيل فى الوقت الحالى من واقع أن العالم العربي، الذى يقوم بدور الداعم الرئيسى للفلسطينيين فى الصراعات السابقة، يمزق نفسه إربا، فسوريا والعراق منغمسين فى صراعات، وليبيا تشهد حالة الاضطراب، والحكومة المصرية تعتبر حماس فرعا من جماعة الإخوان المسلمين، والمملكة العربية السعودية، القوة الكبرى الأخرى فى العالم العربي، معادية أيضا بشدة لحماس.
وخارج المنطقة، فقد قللت التحولات الجيوسياسية من حدة رد الفعل المعادى لإسرائيل، إذ يساور روسيا والهند والصين قلقا عميقا حيال خطر الإسلاميين المتطرفين داخل بلادهم، حيث قُتل الأسبوع الماضى أكثر من مائة شخص فى مقاطعة شينجيانج الصينية، وروسيا أيضا لديها 20 مليون مواطن مسلم وبعد شن حربان وحشيتان فى الشيشان، باتت روسيا تعانى من جنون الارتياب من المليشيات الاسلامية، كما أن ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندى هو نفسه متهما بتواطئه فى أعمال عنف ضد المسلمين.
وعلى الرغم من أن أعداء إسرائيل التقليديين أصبحوا أقل عدائية، فإن حلفائها باتوا أقل ودية، فالعلاقة بين نتنياهو والرئيس الأمريكى باراك أوباما باردة – وأعلن بعض المسئولين الإسرائليين ازدراءهم من جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، كما تشير استطلاعات الرأى فى الولايات المتحدة أن الشباب أقل تعاطفا مع إسرائيل من الفئات الأكبر سنا.
ومع ذلك، ربما تستغرق هذه التحولات عقودا لتتغلغل فى السياسة الأمريكية، فموقف اسرائيل راسخ بعمق فى واشنطن، إذ صوت مجلس الشيوخ بالإجماع على دعم الهجوم على غزة، كما مزجت إدارة أوباما إدانتها للأعمال الإسرائيلية بالمساعدات المستمرة لإسرائيل ومبيعات الأسلحة.
ولطالما ساور إسرائيل القلق من إمكانية فرض عقوبات عليها من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكن التدابير مازالت قيد المناقشة، فعلى سبيل المثال، حظر الاستيراد من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ستكون ذات تأثير رمزى على نحو كبير.
ومع استعراض تلك الصورة العالمية، يبدو أن إسرائيل قد قررت أنها ستستطيع تحمل تجاهل الإدانات الدولية لحربها على غزة، ولكن التحولات السياسية التى تساعد إسرائيل حاليا تبدو أكثر قتامة على المدى الطويل، فربما تكون الاضطرابات التى يشهدها العالم العربى أنتجت لفترة وجيزة كوكبة من القوى مفيدة لإسرائيل، ولكن من الممكن أن يتغير الموقف سريعاً، وبعض القوى الصاعدة فى المنطقة- وأبرزها داعش فى العراق- تجعل حماس تبدو وكأنها جماعة معتدلة.
ورغبة أمريكا فى الانخراط فى صراعات الشرق الأوسط آخذة فى التراجع، مما يعنى أن أمن إسرائيل على المدى الطويل لن يمكن ضمانه إلا من خلال تحقيق السلام مع جيرانها، ولكن قصف غزة وقتل مئات المدنيين كل بضعة أعوام يجعل هذا الاحتمال أبعد من أى وقت مضي.
المصدر: فاينانشيال تايمز
إعداد: نهى مكرم







