ربما يكون من الواضح أن قرار باراك أوباما، الرئيس الأمريكى، بالعودة إلى دوامة العراق، التى انسحب منها عام 2011 بعد أن تعهد بإخراج القوات الأمريكية نهائياً، لم يتم اتخاذه بعناية.
أحجم الرئيس الأمريكى منذ عام تقريبا عن تقدم قواته إلى سوريا، متراجعاً عن معاقبة نظام الأسد لاستخدامه غاز الأعصاب ضد شعبه- متخطياً بذلك الخط الأحمر الذى اختار أوباما أن يشير اليه بأنه ممنوع تخطيه، وكان هذا قراراً خاطئاً، وهذه هى اللحظة المناسبة لاسترجاع السبب.
فقد أعاد هذا القرار السلطة إلى الأسد وقضى على معنويات المتمردين السائدين فى سوريا، وساعد مسلحى الدولة الاسلامية فى العراق والشام أو ما يطلق عليها «داعش» بتحقيق المزيد من النجاح حتى أصبحت نقطة جذب لتجنيد المجاهدين، لماذا؟ لسببين رئيسيين.
أولا: استنتجت الأغلبية السنية فى سوريا أن أوباما والولايات المتحدة والغرب يتحدثون فقط دون فعل أى شيء، بينما كانت داعش توفر معداتها جيداً من الخليج، التى كان يستعين به ما يطلق عليهم أصدقاء سوريا لدعم الثوار.
ثانيا: كانت المناطق التى تسيطر عليها داعش فى سوريا، بالرغم من خضوعها لمفهوم داعش الوحشى للشريعة، بمنأى عن القصف المدفعى والبراميل المتفجرة للنظام السورى، الذى إستخدم آلية القتل ضد الثوار ووجدوا منفعة من وجود الجهاديين: لتخويف الغرب وتأكيد ادعائه منذ اندلاع الصراع عام 2011 بأنه يواجه القاعدة وليس الانتقاضة الشعبية.
وقد أصبحت هذه الادعاءات حقيقة- ويعود ذلك جزئياً إلى الضعف الغربى وقدرة داعش على ملء هذا الفراغ، وعزز الجهاديون قبضتهم على العديد من المناطق فى شرق سوريا نهاية العام الماضى وانتقلوا إلى غرب العراق وسيطروا على الفالوجا والرمادى، وقد ثارت القبائل السنية وشبكة القوى المتبقية من حزب البعث التابع لصدام حسين، الرئيس العراقى الراحل، على الاضطهاد الطائفى لنور المالكى، رئيس الوزراء الشيعي.
ويؤكد توسع الدولة الإسلامية، وشنها هجمات شرقاً إلى كردستان وغرباً عبر الحدود اللبنانية، اعتقادها بأن الرئيس الأمريكى أوباما مجرد نمر من ورق.
ويستند القرار الأمريكى بالتدخل إلى ثلاثة مكونات: إنسانى واستراتيجى وسياسى.
فالتقدم الأخير لداعش إلى شمال العراق وطرد المسيحيين واحتجاز 40 ألف فرد من أفراد الأقلية اليزيدية القديمة على جبل سنجار بالقرب من الموصل هو- كما أشار إليها جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى – «حملة إرهاب ضد الأبرياء، بما فى ذلك الأقلية اليزيدية والمسيحية، وتحمل أعمال العنف المفزعة التى تقوم بها كل علامات التحذير وسمات الإبادة الجماعية أو القتل وتدعمه بصلب وقطع رؤوس العامة.
والولايات المتحدة وحدها هى التى تمتلك الوسائل اللوجستية الضرورية لتوفير المساعدة والحماية للأقليات الهاربة ودعم قوات البشمركة فى اقليم كردستان، التى تعد الآن فى خطر من أن تغزوها داعش، وهذا يعنى أن الضربات الجوية الأمريكية أمر حتمى لصد هجمات داعش.
وربما سيتم قريبا معالجة النظرة السياسية- بأن واشنطن سوف ينظر اليها على أنها منحازة إلى حكومة المالكى وميليشيات الشيعة المدعومة من إيران- التى تعيق تحرك الولايات المتحدة، ويبدو أن طهران أبلغت المالكى بأنه مسئول عن تفتت العراق فى الوقت الذى يحتاج فيه إلى تجميع صفوفها مع السنة والأكراد لمواجهة «داعش»، وهناك ضغط متزايد على رئيس الوزراء للتنحى، بما فى ذلك كبار رجال الدين فى العراق، وقال آية الله على السيستانى، إن الساسة الذين يتشبسون بمناصبهم يتعين عليهم أن يتنحوا جانباً لتشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة داعش.
اعداد نهى مكرم
المصدر: الفاينانشال تايم








