بقلم: أحمد راشد
ماذا عن القادة السياسيين الذين عينتهم أمريكا فى دول العالم الثالث؟ يبدو أنهم لم يرغبوا قط فى ترك مناصبهم، فقد بدأ الأمر فى فيتنام فى ستينيات القرن الماضى، حيث تخلصت وكالة الاستخبارات الأمريكية دون رحمة من قادة فيتنام الذين كانوا فى أول الأمر مفيدين للتعاون الأمريكى، ولكنهم رفضوا أن يتنحوا عندما أصبحوا غير ذلك.
وكان الرئيس الأفغانى حامد كرزاى محبوباً لدى واشنطن بعد هجمات سبتمبر 2011، والآن أصبح شخصية مكروهة فى العاصمة الأمريكية، إذ إنه من الواضح أنه سمح بتزوير الانتخابات التى أغرقت البلاد فى أزمة عرقية.
ثم هناك نور المالكى، رئيس الوزراء العراقى، حيث كانت هناك نغمة موحدة تجمع بين غالبية العراقيين والدبلوماسيين الأجانب وهى «أى شخص إلا المالكى».
وتكمن مأساة كل هؤلاء فى أنهم لم يعرفوا أبداً متى يتخلون عن مناصبهم، والمشكلة أنهم يعتبرون أنفسهم لا غنى عنهم، فقد تم اختيارهم نظراً لرغبتهم فى أن يحكموا حكماً شمولياً، ولكنهم سرعان ما يعطون مجموعة عرقية أو جماعة دينية بعينها السلطة بأكملها.
وهذا ما حدث مع الزعيم الشيعى نورى المالكى، الذى تم انتخابه بمباركة عراقية وأمريكية عام 2006 وأعيد انتخابه عام 2010، وإن كانت هذه المرة على مضض، وفقد المالكى ثقة الجميع بمن فى ذلك أتباعه الشيعة فى العراق.
وحتى قبل إجراء الانتخابات فى أبريل الماضى، كان يأمل العديد أن المالكى سوف يتنحى، وفى نهاية المطاف كان استياء إيران من عدم قدرته على احتواء الدعم واسع النطاق، ورفضه الاعتراف بالسُنة فى حكومته هو ما أجبره على التنحى.
وكان قد أعلن على خامنئى، المرشد الأعلى الإيرانى، منذ عدة أشهر أنه لم يعد يؤيد المالكى وكذا على السيستانى أكثر رجال الدين نفوذاً فى العراق، وكان المالكى قد استدعى قوات الجيش فى أيام حكمه الأخيرة وهدد بانقلاب عسكرى ولكن دون جدوى.
وحلَّ حيدر العبادى محل المالكى وهو عضو فى حزب الدعوة الذى يتزعمه المالكى، والعبادى مطالب بالترفع عن النزعة الطائفية وتشكيل حكومة قومية موحدة شمولية ترضى الأقليات ولاسيما السُنة.
ولن يتمكن العبادى من تحقيق أى إنجازات داخلياً أو خارجياً حتى يشكل حكومة ذات قاعدة عريضة، وسوف تزداد الأمور تعقيداً إذا أُسند للمالكى منصب مهم آخر فى الحكومة الجديدة ليلزم الصمت، كما تنذر الشائعات فى بغداد، فوقته قد انتهى وحمله السياسى ثقيل، لذا ينبغى أن يعود إلى منزله أو إلى المنفى.
والعراق فى حاجة ماسة إلى حكومة توافق وطنى لمواجهة الهجوم العسكرى من قبل الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» التى تسيطر الآن على نحو ثلث البلاد، وإيران خائفة من داعش مثلها مثل الأمريكيين.
وعلى الرغم من أن داعش تستهدف أيضاً سوريا والأردن ولبنان، فإن تماسك العراق يعد أمراً حيوياً، نظراً لحدوده مع كل الدول العربية المهمة، وإذا لم يتماسك العراق وتم تقسيمه على أيدى داعش وغيرها، فمما لا شك فيه أن ذلك قد يؤدى إلى تقسيم العالم العربى على أيدى المتطرفين.
وإحدى السبل الرئيسية لخلاص العراق هى أن تكتسب البلاد ثقة المجتمع الدولى مرة أخرى، فقد ضغطت واشنطن على المالكى من خلال حجب إمدادات الأسلحة المهمة إلى العراق مثل القذائف المقاتلة حتى يتنحى المالكى.
والآن بعد رحيل المالكى ينبغى على الولايات المتحدة أن تفى بوعودها فى أقرب وقت ممكن، فالعراق يفتقر إلى قوة جوية مناسبة، كما يعانى جيشه حالة من الفوضى ويحتاج إلى المساعدة الدولية ليكون جاهزاً بالقدر الذى ينتصر به على داعش.
إعداد: نهى مكرم
المصدر ــ الفاينانشيال تايمز








