بقلم: نيك باتلر
تضاعفت التجارة العالمية للغاز الطبيعى المسال على مدار العقد الماضي، ومن المتوقع أن تتفوق على تجارة خطوط أنابيب الغاز قبل عام 2020، ويعتبر الغاز الطبيعى المسال الطريقة الوحيدة القادرة على إمداد الصين والهند بمعظم متطالباتهما المتزايدة، كما أنه أكثر السبل وضوحاً لتنويع الإمدادات الأوروبية بعيدا عن اعتمادها على روسيا، ومع ذلك يسلط نمو تجارة الغاز الطبيعى المسال الضوء على مصادر الإمداد، وأهمها الولاية الصغيرة فى الشرق الأوسطة وهى قطر.
وقد يكون الإله الرومانى جانوس – الإله ذو الوجهين عند الرومان، وجه يتطلع إلى المستقبل ووجه آخر ينظر إلى الماضي، وهما يمثلان النور والظلام، الخير والشر- رمزا مثاليا لتناقضات قطر، فمن ناحية تعد قطر من أكثر الدول المتمدنة والمتعولمة فى الشرق الأوسط، فقد مولت الإمارة أول خدمة إخبارية متاحة للجميع فى العالم العربى والإسلامى وهى «قناة الجزيرة»، كما تتطلع قطر لأن تكون مركز التعليم فى الشرق الأوسط، مع ست جامعات دولية على الأقل أقامتها الجامعات الأمريكية ولكن بتمويل قطري.
لكن هذا الوجه المشرق المتطلع إلى المستقبل ليس هو كل الحكاية، فهناك أيضا وجه مظلم، فعلى الرغم من أن قطر أغنى دولة فى العالم من حيث نصيب الفرد، كما أن %17 من سكانها البالغ عددهم 2 مليون نسمة مليونيرات، فإن قطر تعد من نواح عديدة من أكثر الدول تخلفاً فى الشرق الأوسط، كما أن العمالة الوافدة هى التى تغذى الاقتصاد والطفرة العمرانية التى لا نهاية لها، ولكن كما كشفت صحيفة الجارديان البريطانية خلال الأشهر الأخيرة، فإن مستويات الأجور متدنية ومعايير السلامة مفزعة، إذ توفى أربعة وأربعون عاملاً نيبالياً فى غضون شهرين فقط- العديد منهم كانوا يبنون الملاعب المصممة لإستضافة كأس العالم عام 2022- فضلاً عن ذلك فإن شبكة الفساد والرشوة وراء مساعى استضافة هذا الحدث بات واضحا بفضل جهود صحيفة «صن داى تايمز»، وتعد إقامة كأس العالم فى قطر انتصاراً للفساد على المنطق السليم.
ومع ذلك فالمشكلة الحقيقية هو أن قطر، أو لأكون دقيقا، أجزاء من العائلة المالكة تحت قيادة الحاكم الجديد، الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني، أصبحوا أكثر انخراطاً فى السياسة الدينية فى المنطقة، فقد أصبحت قطر الداعم المالى الرئيسى للإخوان المسلمين، وربما تكون البلاد موطنا لقاعدتين عسكريتين أمريكيتين، ولكنها مسئولة أيضا جزئيا عن تمويل بعض الجماعات المسلحة، وتحول الربيع العربى إلى صراع مفتوح حاليا عبر الشرق الأوسط لم يكن ليحدث دون التمويل القطري، وتعد هذه لعبة خطيرة تلعبها قطر.
وتخضع إمارة قطر لحكم ملكى خالص الذى يعد وفقا للقانون الأساسى فوق القانون، فغير مسموح بأى أحزاب معارضة، وترى عائلة آل ثانى نفسها معفاة من كل قواعد السلوك الدولي، كما أن العائلة ضعيفة مفككة- مما يعد نتاجا للمزيج الخطير من الثروة الضخمة والسلطة المطلقة والتملق الأجنبي.
وأصبح العديد من البلدان المختلفة بدءا من الصين وحتى أعضاء الاتحاد الأوروبى أكثر اعتماداً على إمدادات الطاقة القطرية، وقد ساعد على ذلك انخفاض التكاليف التى وفرت للبلاد ميزة تنافسية فورية عن الدول المصدرة للغاز الطبيعى المسال مثل استراليا والبرازيل، وتعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم وتشكل ثلث السوق العالمي، ومن الممكن أن تنخفض هذه النسبة بمرور الوقت إذا بدأت محطات الطاقة فى مناطق شرق افريقيا فى الانتاج كما هو مخطط لها، ولكن هذا لن يحدث قبل أوائل عشرينيات القرن الواحد والعشرين.
وسوف تزداد أهمية قطر إذا ظلت العقوبات تعوق تطوير حقول الغاز الايرانية، وتمد قطر بالفعل المملكة المتحدة بما يزيد على ربع وارداتها اليومية من الغاز، وسو يتم بناء محطة جديدة لاستقبال الغاز المسال فى بولندا، وهذه المحطة لن تمد بولندا فقط بل ايضا دول البلطيق وشرق اوروبا الذين يرغبون فى الحد من اعتمادهم على روسيا.
وقد تبدو تلك الخطوة منطقية تماما، ولكن لا ينبغى أن يعيش أحد فى وهم أن الاعتماد على قطر بدلا من موسكو يزيل كل المخاطر، فحتى تقرر قطر أيا من الوجهين يمثل الدولة بالفعل، يتعين على المشترين والمستثمرين توخى الحذر، فالانتقال من مصدر غير مستقر إلى آخر لا ينعم بالاسقرار أيضا لا يمثل مكسبا لأمن الطاقة.
إعداد: نهى مكرم
المصدر ــ الفاينانشيال تايمز








