زوال إسرائيل

بقلم: دانييل جوردس

وقف إطلاق النار مازال متماسكاً، وقد توقفت صفارات الإنذار، وتم إغلاق الملاجئ، والأكثر من ذلك أن أفراد قوات الاحتياط الإسرائيلية عادوا إلى منازلهم. وفى نهاية الأسبوع الماضى وللمرة الأولى منذ شهور فإن الإسرائيليين مثلهم مثل سكان غزة أخيراً يمكنهم تنفس الصعداء.
لكن الصحافة، وهى على حق، تذكر الإسرائيليين بالواقع الأكيد تقريبا وهو أن السلام ليس فى متناول اليد، وهو ما تشير اليه صحيفة هاآرتس الإسرائيلية فى عنوانها الذى يقول «حرب غزة؟ مجرد صورة على شاشة الرادار فى الشرق الأوسط».
وضع الجانبان «الفلسطينى والإسرائيلى» بعضهما البعض فى طريق مسدود فقد قبل الطرفان شروطا سبق وأكد قادتهم أنه لا يمكن القبول بها. وعلى الصعيد الميدانى فقد عانى المدنيون من الجانبين، ودفن كل منهم أحبائه وأُنهكت قوى الطرفين تماما. وفى الجانبين أيضا يحاول القادة اقناع دوائرهم الانتخابية «بالنسبة لإسرائيل» والمؤيدين «بالنسبة لحماس» بأن المكاسب فاقت آلام الخسائر وأن الطرف الآخر تعلم الدرس ولن يعاود الكرة.
ورغم التشابه السطحى، فإن هناك اختلافات هائلة بين العقليات من الجانبين، وربما لا شىء يجسد تلك الاختلافات أفضل من تحديد السبب الاساسى الاكثر اثارة للخوف من الآخر.
تعتبر الحياة بالنسبة لمعظم سكان غزة قاتمة باستثناء فئة محدودة لها وضع مميز وكذلك فى الضفة الغربية أيضا ويعد استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه أكثر الاشياء مثيرة للخوف. ويخشى الفلسطينيون أيضا من أنه لن يكون هناك لهم مطار ولا ميناء ولا تخفيف للسيطرة الإسرائيلية على الواردات وألا يكون هناك أصلا دولة فلسطينية، وما يريدونه هو تغيير معظم هذه الأشياء.
فى المقابل، هناك خوف إسرائيلى حيث يشعرون بالقلق حول الوضع الراهن والمرشح للانزلاق لمزيد من التدهور. لا يخاف الإسرائيليون من فكرة الدولة الفلسطينية أو ميناء بحرى فى غزة، ولكن إمكانية أن تكون تلك الاهداف نقاط انطلاق لهدف مرعب محتمل وهو القضاء على إسرائيل تماما. ولكن لماذا يعتقد الإسرائيليون ذلك؟ والاجابة أن القيادة الفلسطينية أعلنت ذلك بصراحة.
قال عباس زكى، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح التى يتزعمها محمود عباس وليس حماس، إنه وبوضوح كل إسرائيلى يعتبر هدفاً مشروعاً للمقاومة – وقال حرفيا «لا يوجد إسرائيليون أبرياء».
كيف تسعى حماس لتحسين حياة الفلسطينيين؟ ليس عن طريق إنهاء الحصار، وليس بصنع السلام فهدف حماس كما يعرف الإسرائيليون، هو محو الدولة اليهودية. ووعد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الاسلامية حماس المقيم حاليا فى قطر بأنها لن تكون هذه هى المعركة الأخيرة حتى تحرير فلسطين فهدف حماس ليس تحرير غزة، ولكن تحرير فلسطين فالقضية بالنسبة لها ليست لها حدود مفتوحة تنهى الحصار ولكن قضية حماس أنها لا تريد حدوداً مع إسرائيل على الإطلاق عن طريق زوال إسرائيل نفسها. والإسرائيليون يصدقون مشعل فيما قال.
أطلق إسماعيل هنية، الرئيس السابق لسلطة حماس فى غزة تصريحات مشابهة فعلى الرغم من الخسائر وعد أن حماس ستنجح فى رفع الحصار عن غزة، ومن ثم ستستمر المعركة لتحرير القدس وفلسطين من الإسرائيليين واصفا اياهم بالنازيين الجدد. والإسرائيليون يصدقون هنية فيما قال.
وسط كل ذلك يستمع الإسرائيليون لتلك اللغة، ويعرفون أن أعداءهم جادون فيما يقولون.
قتل ضابط فى جيش إسرائيل الأسبوع الماضى برصاصة أطلقتها الفصائل التى تقاتل فى حرب أهلية لا نهاية لها سوريا، كان الإسرائيليون قلقين حول مسألة واحدة، وهى ما إذا كان إطلاق النار كان متعمدا أم لا. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن وحدات تنظيم القاعدة وصلت إلى الحدود السورية، وكان عنوان المقال «إسرائيل تراقب بقلق» مصحوب بصورة بينى جانتز، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى ينظر للحدود السورية من خلال منظار مُعظم. فالصليبيون الجدد (تنظيم القاعدة) موجودون عبر الحدود وقد يغزون بيت المقدس.
لا يخفى على أحد هدف تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية فى نهاية المطاف. والإسرائيليون يقرأون ويستمعون لهم ويصدقون ما يقولون.
كانت معركة إسرائيل مع حماس مؤلمة ولها آثار مدمرة لكنها جزء فرعى من حكاية درامية أكثر شؤماً فجماعة الإخوان المسلمين فى وضع حرج مؤقتا فى مصر، وحماس ضُربت لكنها لم تُهزم فى غزة وحزب الله على حدود لبنان فى انتظار الأوامر من القيادة فى طهران وتنظيم القاعدة على الحدود السورية وزحفت الدولة الإسلامية لأقرب موضع أكثر من أى وقت مضى. الإسرائيليون يعرفون ماذا يعنى هذا وما يجب عليهم القيام به من أجل البقاء على قيد الحياة بغض النظر عما قد يقوله المجتمع الدولى أو يفكر به.
وليس من قبيل الصدفة الحرص على بث تلك الأغنية القديمة بالاذاعات الإسرائيلية فى كثير من الأحيان خلال أسابيع الصيف الطويلة من الحرب على غزة، تلك الأغنية التى تقول «ليس لدى بلد غيرها».
وتقول مقاطع الأغنية الإسرائيلية:
ليس لدى بلد غيرها
حتى لو تحترق أرضها
كلمة واحدة عبرية
تدخل عروقى، تخترق روحى
مع الجسد المتألم والقلب الجائع
هذا هو بيتى.
أصبحت إسرائيل بلداً يعانى الغضب بعد أن تعرضت للضرب وتعيش حالة من الحداد والأذى ولكنها أيضا بلد ملىء بالناس الذين يعرفون أنه ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، ولذلك فبقاء الشعب اليهودى حتى فى جزء محدود من وطنه هو معركة قد تكون بدأت من جديد مرة أخرى على جميع الاصعدة. أما بالنسبة للمجتمع الدولى الذى كان قلقاً إزاء تصميم إسرائيل على استخدام قوة النيران العنيفة فى الحرب على غزة فقد يقبل بأقل الحلول المتاحة لإنهاء الصراع لكن عليه أن يفتش عنها حوله قليلاً.

إعداد: ربيع البنا
المصدر: بلومبيرج