على الرغم من كفاح الاقتصاد المصرى بالفعل لتلبية الاحتياجات والطموحات الشرعية للمواطنين، فإنه يعانى سلسلة متزايدة من العوائق فى السنوات الأخيرة، لدرجة أنه يتعين على المواطنين للمرة الاولى منذ سنوات عديدة التكيف مع انقطاع الكهرباء ونقص السلع وسيطرة جزئية على سعر الصرف الأجنبى، ومع التزام الحكومة الجديدة بالوفاء بأهداف ثورة 25 يناير، تحتاج مصر حاليا للتغلب على أربع مشكلات رئيسية بشكل حاسم، وتستطيع تحقيق ذلك من خلال أربع مزايا أساسية.
وبالرغم من أن هذه المشاكل لا تفسر كل القوى التى تقف حائلاً ضد استغلال الاقتصاد المصرى لامكاناته الضخمة، فإنه أيضاً من غير المرجح أن نشهد زخماً قوياً فى المستقبل ما لم تتم معالجة كل واحدة منها بطريقة حاسمة ومستدامة.
أولاً، تواجه البلاد عجزاً مالياً مزدوجاً وهما عجز كبير فى الميزانية وخلل عميق فى ميزان المدفوعات.
يغذى هذان العجزان التضخم، ويصنعان ضغوطا تصاعدية على أسعار الفائدة، ويضعفان قيمة العملة، ويقوضان نطاقاً واسعاً من الأنشطة الإنتاجية، وكلما طال استمرار هذين العجزين، كلما ازداد تغلغلهما فى الهيكل الاقتصادى، وبالتالى تصبح مواجهتهما أكثر صعوبة وأكثر تدميراً لرفاهية طويلة الأجل فى البلاد.
ويتفاعل هذان العجزان أيضاً – من خلال ديناميكات غير مواتية على نحو متزايد – مع ثانى مشكلة رئيسية فى مصر وهى النمو الاقتصادى المخيب للآمال.
ويعيق عدم قدرة الدولة على الحفاظ على سنوات عديدة من النمو الشامل والمتنامى ارتفاع مستويات المعيشة، ما يجعل عملية خلق فرص عمل كافية لأعداد السكان والشباب الاخذة فى الازدياد أمرا فى غاية الصعوبة، كما أنه يفاقم مشكلة عدم المساواة، ويحبط عملية تحقيق أهداف اجتماعية وسياسية مهمة، وباختصار، فان معادلة النمو البطيء فى البلاد مع معدلات البطالة المرتفعة تدمر تدريجياً محرك النمو والتوسع الاقتصادى فى البلاد وكذا النسيج الاجتماعى، ما يهدد الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء.
وهناك أيضا زاوية مالية مقلقة، فكلما كان النمو أبطأ، ازدادت الضغوط الواقعة على الميزانية (من خلال احتياجات انفاق أعلى وكذلك تحصيل إيرادات أقل)، وكان من الصعب الحصول على النقد الاجنبى من خلال الصادرات واحلال الواردات.
والمشكلة الرئيسية الثالثة وثيقة الصلة بالمؤسسات الضعيفة فعلى الرغم من دوافع وإنجازات ثورة 25 يناير، لم تقم مصر حتى الآن بإصلاح هيكلى للمؤسسات على نحو كاف، فلا يزال العديد من المؤسسات روتينية جداً، وغير كفء لدرجة محبطة، وفى وضع غير لائق لاتمام مسئولياتها المهمة، بالاضافة إلى فشل المؤسسات فى تقديم الخدمات العامة على نحو لائق، وأدى الاعداد الضعيف للمؤسسات إلى تحقيق الاستفادة من المكاسب الاقتصادية فى البلاد لصالح مجموعة صغيرة من العالمين ببواطن الامور أصحاب المواقع المرموقة بتلك المؤسسات.
وأخيرا هناك العجز الاجتماعى الضخم فى مصر، حيث تخلفت المؤشرات الاجتماعية فى البلاد كثيرا عن العديد من البلدان الأخرى، وعلى هذا النحو، يعانى العديد من المصريين، ولاسيما هؤلاء ممن هم ضمن الشريحة الضعيفة من السكان، من الوصول المتواضع إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وفى الوقت ذاته، تفاقم عدم المساواة فى الدخل والثروة، وكذا الخلل المقلق بالفعل فى الوصول إلى فرص التحسين الذاتى والارتقاء بها.
وليس من السهل التغلب، وخاصة على نحو سريع، على أى من هذه المشكلات الأربع، التى أخذت تتطور لسنوات عديدة وأصبحت مترسخة بشكل عميق فى النسيج السياسى، كما أنها تتضمن مصالح ذاتية راسخة لمجموعة صغيرة من الناس تقاوم التغيير، وعندما نضع كل ذلك معا، نجد أن الآثار المتراكمة لهذه المشكلات تشكل تحديا كبيرا يتطلب سنوات عديدة من تنفيذ سياسات صارمة، تتطلب فهما على نطاق واسع وموافقة من قبل قطاعات واسعة من السكان.
وعلى هذا النحو، لا ينبغى أن نقلل من أهمية التحديات التى تواجه الحكومة الجديدة، ولحسن الحظ، تستطيع مصر، أثناء محاولتها التغلب على هذه المشكلات، الاعتماد على أربع مزايا مهمة من الممكن أن تضع البلاد فى وضع قوى لتعود مرة أخرى إلى سياق ديناميكية ذاتية التعزيز الايجابى، وهو وضع يجعل «الظروف الأولية» فى البلاد فى مقدمة تلك الموجودة فى الأمم الأخرى التى نجحت فى مهام التحول الاقتصادى الصعبة، وذلك من واقع خبرتى لعقود عديدة من متابعة ودراسة حالات مماثلة عن كثب.
أولا، أن مصر لديها العديد من الأهداف الاقتصادية التى لا تحتاج جهدا كبيراً لتحقيقها، ويمكن الوصول اليها سريعا لتوليد نمو أعلى والمزيد من فرص العمل.
وتعد السياحة مثالاً واضحاً على هذه النظرية، فمع عودة الأمن واتصالات أفضل دوليا، لا يوجد هناك سبب وراء عدم اقتراب أعداد السياح والنشاط السياحى والصرف الأجنبى وفرص العمل التى توفرها سريعا، فمازالت جميع المزايا الطبيعية الرائعة فى مصر موجودة، بدءا من الحضارة والآثار المذهلة إلى الشواطئ التى ليس لها مثيل، ولم يختف أيضا اللطف وحسن الضيافة اللذين يشتهر بهما الشعب المصرى، والبنية التحتية للنقل والفنادق فى مكانها الصحيح وغير مستغلة.
وينطبق المنطق ذاته على العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى التى تعمل دون مستوى امكاناتها، ومع بعض التعديلات فى سياق عملها، قد توسع المصانع القائمة بكل سهولة انتاجها وترفع المبيعات وتزيد من فرص العمل، وسوف تساعد امدادات الطاقة الضخمة قطاع التصنيع وقطاعات أخرى على نحو كبير. كما أن وجود نظام بيروقراطى أكثر فعالية من شأنه أن يرفع القيود الضارة غير الضرورية من على عاتق التجارة والأنشطة الاقتصادية. وسوف تسمح استثمارات البنية التحتية المستهدفة جيدا بمضاعفة الأنشطة الاقتصادية، وقد تحول المفاوضات مع الشركاء الخارجيين اذا تمت على نحو أفضل امكانات مصر الضخمة التى تفتح الباب أمام مزيد من الصادرات إلى حقيقة تعود بالنفع على البلاد لسنوات عديدة.
ثانيا، هناك العديد من الأوجه النقدية الثانوية، التى من الممكن استخدامها – فى ظل الظروف المناسبة – فى تمويل توظيف العمالة وكذلك تمويل الاستثمارات فى المنشآت والمعدات الجديدة.
وتتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة على نحو أكبر بكثير من متوسط مستوياتها القياسية، ما يعد بالتأكيد أقل بكثير من المتوقع نظرا للمزايا التى تتمتع بها مصر، فالعديد من الشراكات المربحة للطرفين بين القطاعين العام والخاص غير مستغلة على الرغم من الحاجة إلى استثمارات أكبر تكون داعمة لامكانات النمو والتوظيف، وعلاوة على ذلك، فمع التمويلات الثانوية الضخمة التى تنتظر شفافية اقتصادية أكبر، يستطيع القطاع الخاص فى البلاد استثمار المزيد من النقدية التى لديه سعيا لتحقيق أهداف تجارية تتماشى مع احتياجات مصر، وهناك أيضا مزايا وامكانات كبيرة بين المصريين المقيمين فى الخارج.
ثالثا، مصر لديها صداقات اقليمية متينة على استعداد لمنح البلاد موارد مالية ضخمة لدعم اصلاحها وتعافيها الاقتصادي.
فقد كانت، السعودية والامارات العربية المتحدة والكويت فى مقدمة الدول التى قدمت لمصر النقد الأجنبى ومنتجات الطاقة للتخفيف من الضغوط الاقتصادية والمالية قصيرة الأجل الواقعة على البلاد، وقد اعربوا فى اجتماعاتهم مع الرئيس ومسئولين مصريين آخرين رفيعى المستوى عن التزامهم باتمام هذا الدعم بالمزيد من الاستثمارات فى مجال العقارت وتطوير الطاقة والبنية التحتية والادارة وغيرها من المجالات التى تعود بالنفع على محركات النمو فى البلاد، وعلاوة على ذلك، فقد أكدوا رغبتهم على المساعدة فى تنسيق مساع دولية أوسع لتعزيز الاستثمار والنمو فى مصر.
وأخيراً، مصر لديها قيادة مخلصة تتمتع بدعم شعبى واسع النطاق وقد أعربت القيادة السياسية الجديدة عن قلقها ازاء التحديات المالية والاقتصادية التى تواجه البلاد كما أفصحت عن نواياها لتحقيق نتائج، وقد تم تطوير اطار عمل لسياسة شاملة خضعت لتصميم شامل ومشاورات واسعة النطاق، وقد بدأ التنفيذ كجزء من نهج هذه السياسة الأكثر شمولية التى سوف تستغرق سنوات عديدة وبدأت فى جذب دعم دولى متزايد.
ويشير العديد من الخبراء إلى التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى، وهذا أمر مفهوم، فمصر تواجه العديد من العوائق الاقتصادية فى الوقت الذى تعد فيه احتياجات الشعب كبيرة ويجب تلبيتها، لكن التركيز على التحديات لا ينبغى أن يشوش فى الوقت ذاته على الاعتراف بالفرص الضخمة والمزايا المهمة فى البلاد، وفى الواقع، فمن خلال معرفة التحديات واطلاق عنان الامكانات التى تتمتع بها مصر، فقد تخطو البلاد خطوات مهمة فى ادراك امكاناتها الضخمة وتلبية الآمال الحقيقية للشعب وتطلعاته المشروعة لغد أفضل.
أعده للنشر: نهى مكرم








