أجنـدة إصــلاح تسايـر التطـور التكنولـوجـى .. أهـم متطلبـات عبـور الأزمــة
شهد الاقتصاد العالمى تطوراً إيجابياً أوائل القرن الواحد والعشرين بعد أزمة قاتمة، متمثلاً فى التسارع المفاجئ لنمو الدول الناشئة، حيث ارتفع ناتج الفرد فى الدول الفقيرة عدا الصين، على نحو أسرع من الدول المتقدمة بمتوسط سنوى %3.2 فى الفترة ما بين 2000 و2009، وهو ما يعد وتيرة غير مسبوقة فى اللحاق بركب الدول الغنية، كما تراجعت معدلات الفقر العالمى بصورة مفاجئة، بعد أن ارتفعت الاجور فى الدول النامية، ومن المتوقع أن يصل دخل المواطن فى هذه الدول إلى متوسط ما يتقاضاه الفرد بأمريكا فى غضون 44 عاماً.
ولكن يبدو أن هذه الحقبة من اللحاق السريع بركب الدول المتقدمة قد انتهت، إذ تراجع النمو بصورة حادة فى العديد من الاقتصادات الناشئة، ورغم التعافى الهش للدول المتقدمة فى أعقاب الأزمة المالية، فقد أصبحت وتيرة نمو الأجور فى الاقتصادات الناشئة أقل بطئا، حيث ارتفع دخل الفرد بوتيرة أسرع من ارتفاع الأجور فى أمريكا بنسبة %1.1 فقط فى المتوسط عام 2013، كما أن توقعات النمو باتت أكثر قتامة، وبناء على أحدث توقعات صندوق النقد الدولى للنمو عام 2014، لن تتمكن الاقتصادات الناشئة عدا الصين، من الوصول إلى مستوى الأجور فى أمريكا قبل مرور 300 عام.
وأوضحت مجلة «الإيكينوميست» فى تقرير، أن التداعيات الاقتصادية والسياسية لهذا التباطؤ فى الاقتراب من مستويات الأجور فى الدول المتقدمة ستكون عميقة، وسوف يكون مليارات الأشخاص أكثر فقرا لفترة أطول بكثير مما كان متوقعا منذ بضع سنوات فقط، وسوف تكون الشركات التى راهنت على حيوية الأسواق الناشئة كمصدر رئيسى للأرباح المستقبلية فى حاجة إلى استراتيجية جديدة، وكذلك الساسة فى الدول المتقدمة الذين طالما ما كانوا يأملون أن يعزز الاستهلاك المتزايد فى الاقتصادات الناشئة نمو بلادهم.
ويعود ضعف الاقتصادات الناشئة جزئيا إلى عوامل مؤقتة، حيث تراجع النمو فى روسيا جراء العقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبي، ولن يستمر الركود فى البرازيل إلى الأبد، وإذا نحينا جانبا آثار الدورة الاقتصادية والعوامل العرضية، سون نجد أن هناك العديد من الأسباب وراء احتمالية استدامة وتيرة النمو البطيئة فى الاقتصادات الناشئة، وتعد إحدى هذه الأسباب الطفرة الاقتصادية التى شهدتها الدول الناشئة فى أوائل القرن الواحد والعشرين عرضية فى حد ذاتها، حيث أدى الازدهار المفاجئ للتجارة العالمية والارتفاع المفاجئ فى أسعار السلع الذى صاحب التزايد السريع والكثيف للصادرات فى الصين إلى انتعاش الاقتصادات الناشئة الأخري.
وإذا كان اللحاق بمستوى الأجور المتقدمة أصعب من العقد الماضي، الا أنه ليس مستحيلاً، فقوانين الاقتصاد الأساسية – التى تنص على أن البلدان الأكثر فقرا التى تمتلك رأسمال أقل من المفترض أن تنمو بوتيرة أسرع من البلدان المتقدمة – لاتزال قائمة، ولكن الاقتصاد العالمى فى حاجة إلى أجندة إصلاح أوسع نطاقا مع التطور التكنولوجى المتزايد.
ولا تقل حرية التجارة أهمية عن أى وقت مضي، ولكن يجب الحد من الحواجز التجارية أمام الخدمات والسلع، وستظل الطرق والسكك الحديدة والموانئ التى كانت لازمة للنمو السريع فى عصر التصنيع ضرورية، ولكن يجب أن تتضمن البنية التحتية تغطية قوية للإنترنت والهواتف النقالة.
ولحسن الحظ أن النمو البطيء فى الاقتصادات الناشئة أصبح بمثابة حافز للإصلاحات الطموحة وعلى سبيل المثال قرر رئيس الوزراء الصينى، شى جينبينج، أن يحول نموذج النمو فى البلاد نحو الخدمات، وفى الهند، فيما يضع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تحسين البنية التحتية فى البلاد من أولويات الحكومة الجديدة، ومما لا شك أن استعادة زخم النمو ليس بالمهمة السهلة ولكن الدول التى لم تستعد بعد لتغيير نموذج النمو لن تنجح فى اللحاق بركب الدول المتقدمة.
