ربما تشكل «داعش» خطراً جيوسياسياً، ولكنها لا تشكل حتى الآن خطراً على الشركات.
فمنذ أن بدأ القتال فى العراق، وهناك شركات بترول غربية، منها «جنرال انيرجي» و«دى إن أو» و«جالف كيستون»، تستخرج البترول الخام الذى يتم ضخه إلى تركيا، وانخفضت القيمة السوقية للشركات الثلاث مجتمعة، انخفاضاً حاداً وسريعاً بعد استحواذ «داعش» على مدينة الموصل العراقية فى يونيو الماضى، ولكن سرعان ما ارتفعت قيمتها السوقية مرة أخرى إلى 8.3 مليار دولار، أى انخفاض بنسبة %29 منذ بداية العام، مما يعد تراجعاً كبيراً ولكنه ليس سيئاً للغاية بالنسبة لشركات على الجبهة الأمامية فى المناطق التى تعانى من التعصب.
ومن الناحية النظرية، تعتبر الشركات متعددة الجنسيات – بعد 20 عاما من التوسع العالمى – أكثر عرضة للمخاطر من أى وقت سبق، فنحو 20 و%30 من مبيعات الشركات الغربية تكون فى الأسواق الناشئة، مما يعد ضعف مستوى مبيعاتها فى منتصف تسعينيات القرن العشرين.
ولا تنحصر المخاطر السياسية على شركات البترول فقط، بل أيضاً شركات التكنولوجيا وبائعى حقاب اليد الفاخرة. فمن الممكن أن تمتد المخاطر من عدم استقرار العملة والقوانين التنظيمية والقيود على التحويلات النقدية إلى الوطن واضطرابات الإنتاج، إلى فرض عقوبات أو حتى التأميم.
لكن لم يكن لأى من الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة، تأثير كبير على الشركات أو الأسواق المالية، إذ سجل مؤشر «دان آند برادستريت» للمخاطر السياسية أعلى مستوياته منذ عام 1994.
ويعود ذلك جزئيا إلى أزمة منطقة اليورو، فى حين اقترب مؤشر «VIX» ، أو ما يطلق عليه «مؤشر الخوف»، الذى يقيس التقلبات الضمنية فى بورصة أمريكا، من أدنى مستوى له منذ عشرين عاما.
وأوضحت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، أن أحد أسباب هذا التناقض يعود إلى أن أهمية أماكن الصراع كبيرة سياسيا وضئيلة اقتصاديا، إذ يشكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وروسيا وأوكرانيا مجتمعين ما نسبته %7 فقط من الناتج الاقتصادى العالمي، و%2 من إجمالى استثمارات الشركات الأمريكية واليابانية والبريطانية فى هذه المناطق، وقد أثبتت الشركات حتى الآن أن أداءها أفضل من المتوقع فى امتصاص المخاطر.
ومن الممكن أن تجنى الشركات أرباحا فى الأماكن المضطربة، فعلى سبيل المثال، نجد أن شركة «لافارج» الفرنسية للأسمنت، التى لديها أعمال تجارية عبر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتفعت مبيعاتها هناك ارتفاعا طفيفا منذ عام 2009 ويبلغ إجمالى أرباح عملياتها التجارية الآن 1.5 مليار دولار سنويا.
وهناك أيضا شركة «إم تى إن»، وهى شركة اتصالات فى جنوب افريقيا ولها فرعها فى سوريا، وارتفع إجمالى أرباح عملياتها التجارية هناك بنسبة %56 فى الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
وقللت العديد من الشركات متعددة الجنسيات من نسبة المخاطر التى تتعرض لها، وقد ساعدت على ذلك دون قصد، أزمات الرهن العقارى وأزمة منطقة اليورو، إذ أصبحت الشركات الرائدة تحمل نقدية أكثر من ذى قبل، مما جعلها أقل عرضة لتجمد سوق الائتمان.
فعلى سبيل المثال، تحمل شركة «جنرال إليكتريك»، ضعف النقدية التى كانت لديها عام 2006.
ورغم ذلك يعترف رؤساء الشركات أن هناك العديد من السيناريوهات الكارثية التى تجعلهم مستيقظين طوال الليل. فمن الممكن أن تتصاعد التوترات مع روسيا وبالتالى تشديد العقوبات المفروضة عليها، مما يدفع روسيا إلى إيقاف تصدير الغاز إلى أوروبا.
ومن الممكن أن تؤدى الإطاحة بالحكم الملكى فى السعودية – على سبيل المثال -إلى ارتفاع هائل فى أسعار البترول، كما أن الجميع متوجس خيفة من عدم الاستقرار السياسى فى الصين أو تعرضها لركود اقتصادي.
وربما لا تدمر التوترات الجيوسياسية الشركات متعددة الجنسيات اليوم، ولكنها قد تحدث تغييرا فى خططها الاستثمارية.
فقد أضعف صراع روسيا مع الغرب بشأن أوكرانيا من قدرتها على جذب رؤوس الأموال لتطوير قطاع الطاقة بها، كما قضى الصراع فى ليبيا ومصر على آمال شمال إفريقيا فى أن تصبح مركزا للانتاج بالنسبة لأوروبا. فالشركات متعددة الجنسيات، مثل الدول، ليس لديها حلفاء دائمين ولكن مصالح دائمة فقط.








